داود حسني – الموسيقار الملحن
(1870 – 1937)
بقلم: مازن المنصور*
ولد الموسيقار داوود حسني في القاهرة قي 26 فبراير سنة 1870 من عائلة مصرية ومن طائفة اليهود القرائين وأسمه في شهادة الميلاد (دافيد حاييم ليفي) وعاش في حي الصنداقية الشعبي القريب من حي اليهود القرائيين في قسم الجمالية .وكان هذا الحي له الأثر الكبير في نشأته كموسيقي وكانت موسيقاه تعبر عن مشاعر المصريين من الطبقة الغنية وعامة الشعب على السواء .

[مقابله خاصة مع ابن الموسيقار داوود حسني, اسحق لوي (بديع داود حسني) في بيته في القدس. قام بإجراء اللقاء محمد تميمي من القدس: http://www.youtube.com/watch?v=xk_FESCLrRw.]
بدأ حياته الفنية وهو في الرابعة عشر من عمره وكرس كل وقته لتعلم الة العود وتعلم الموسيقى السائدة في ذلك الوقت . كان والده المعلم خضر وبالعبري ” إلياهو” يعمل تاجر مصوغات في حي الصاغة وكان والده أيضاً لديه ميولاً فنية وشغوفاً بألة العود وكان يعزفها بمهارة وتقنية عالية . وأول من لاحظ ميول داوود للموسيقى هي والدته لقد كان داوود يستمع الى والدته وهو طفل صغير عندما كانت تغني له قبل المنام .
أما في فترة حداثته بدأ يستمع الى المؤذن وهو يؤذن إثناء الصلاة والى أجراس الكنائس عندما تبدأ الطقوس الدينية , وكانت الترانيم الدينية التي تتلى أثناء صلاة السبت في معبد “راب سمحاة” في حارة اليهود القرائيين في القاهرة لها الأثر الكبير في شغفه وحبه للموسيقى. والمعروف عن الموسيقار داوود حسني حبه للريف ليستمتع بالهدوء والسكينة والى سماع حفيف الأشجار وتغريد العصافير ومن هذه الأصوات الطبيعية يستمد فيها الإلهام والأنغام الموسيقية .
بدأ دراسته في ” مدرسة الفرير ” في حي الخرنفش بالقاهرة وأكمل الإبتدائية وبدأت ميوله وحبه للموسيقى وعبقريته في الغناء وأنظم الى فرقة الأناشيد الدينية في المدرسة .
ترك دراسته وبدأ العمل في مكتبة الشيخ سكر لتجليد الكتب , وعندما سمع الشيخ صوت وغناء داوود أنبهر بجمال صوته وسمح له بالغناء أثناء عمله في المكتبة , وفي احد الأيام كان الشيخ محمد عبدة في المكتبة جالساً وسمع داوود يغني فقال أن هذا الشاب سيكون له مستقبلاً زاهر في عالم الفن والغناء , لقد أشعلت كلمات الشيخ محمد عبدة إهتمام داوود رغبة في تعلم الموسيقى ونشأت علاقة صداقة بينهم وكان الشيخ” محمد عبدة ” هو كاتب وإمام ومصلح إجتماعي معروف في ذلك الوقت .
سافر داوود الى مدينة المنصورة وبدأ بدراسة الموسيقى على يد المعلم محمد شعبان لمدة سنتين وبعد أن أصبح عازفاً كفؤاً على ألة العود عاد الى القاهرة ليعمل في هذا الفن الجميل .
وبدأ نجمه يسطع بجانب الموسيقيين في ذلك العصر كعبده الحمولي, محمد عثمان , والمنيلاوي وعبد الحي وأخرين …
وأعترف محمد عثمان بموهبته وكذلك أحتل داوود مركزه بين الموسيقيين والمغنين في ذلك الوقت .
لقد أدخل داوود طرازاً جديداً في فن الموسيقى وهي المقامات التركية الممزوجة بالمقامات الفارسية.وأرتفع بموسيقى الشرق الأوسط الى مستوى عالِِ لم تصله من قبل . يعتبر الموسيقار داوود أول من لحن وأدخل موسيقى ألأوبرا الكاملة للناطقين بلغة الضاد. وأطلق عليه لقب موسيقار كونه أول من لحن “الأوبرا ” الكاملة في الشرق العربي , وقدم للغناء المسرحي المصري أوبرا ( شمشون ودليلة ) لقد لحن لأكثر من خمسمائة أغنية دور, طقطوقة , موال , توا شيح وكذلك لحن عشرات من الأوبريتات وكذلك أول من لحن أوبرا كاملة في البلاد العربية.
وكان لنشأته في ذلك العصر أثناء فترة التقدم واليقظة والإجتهاد لشباب مصر , وكذلك ظهر الموسيقار
“فردي ” الذي قام بتلحين موسيقى ” أوبرا عايدة ” .
في عام 1906 منح الموسيقار داوود الجائزة الأولى في المؤتمر الموسيقى الذي عقد في باريس لتلحينه
( أسير الحب ) , لقد ارتفع أسمه في عالم الموسيقى والطرب وأصبح مشهوراً مثل الشانطوري والحامولى والمنيلاوي وغيرهم من المشاهير في ذلك العصر.
بدأ بدايته بغناء أنغام وموسيقى عبد الرحيم المسلوبي :
يا مسعد الصباحية في طلعة البدرية؛ يا للي أوصافك مليحة؛ العفو يا سيد الملاح ؛
وكذلك من أنغام وموسيقى عبد الحامولي:
أنت فريد الحسن؛ الحب من أول نظرة؛ الله يصون دولة حسنك .
لقد كان الموسيقار داوود حسنى يلقب بالفنان صاحب الأذن الذهبية في ذلك الوقت كانوا يعزفون الموسيقى ( سماعي ) فقط أي ليس بقراءة النوتة الموسيقية .
بدأ داوود بالتلحين وهو في سن العشرين من عمره . وأول لحن له هو الحق عندي لك يا للي غرامك زايدً . وكان له أسلوب التجديد مع المزج بمختلف المقامات , لقد ادخل الأنغام الفارسية بجانب المقامات التركية والأندلسية وكانت هذه الأنغام غير معروفة في الموسيقى المصرية في ذلك الوقت ومنها:
القلب في حب الهوى ( حجاز كار كرد ) ؛ قلبي يحبك ولكن ( عجم عشيران )؛ راح فين تلفونك (نكريز )؛ بادي الغرام بادي الولع ( المطربة فتحية احمد)؛ روحي وروحك في امتزاج ( أم كلثوم ) ( عجم طراز حديث).
ولاقت ألحانه بالترحيب لأغلب المطربين والمطربات مثل :
زكي مراد, محمد صابر, عبد الله الخولي , عبد اللطيف البنا, منيرة المهدية, فتحية أحمد, ليلى مراد, أمال الأطرش ( أسمهان ) وهو الذي أطلق عليها ألاسم الفني أسمهان تيمناً بإسم مطربة فارسية ذائعة الصيت والجمال من مدينة أصفهان الإيرانية , وكوكب الشرق أم كلثوم.
كانت موسيقاه تختلف في التوزيع بمزج النغمات مع الإنشاء والتوزيع الموسيقى من خلال ما نلاحظه في الحانة, ومن أشهر أغانيه في البلاد العربية :
يا طالع السعد ( مقام رست )؛ القلب في حب الهوى ( حجاز)؛ كل من يعشق جميل ( بياتي )؛ حبك يا سلام (صبا)؛ أسير العشق ( جهاركا)؛ شربت الصبر ( عشاق ) وغيرها …
وقام بتلحين الى كوكب الشرق أم كلثوم :
حسن طاب (رست)؛ شرف حبيب القلب ( حجاز كار )؛ قلبي عرف معنى الأشواق(صبا)؛ يا عين دموعك (راست )؛ وغيرها من ألاغاني …
وكذلك لحن الى المطربة ليلى مراد , حيرانا ليه بين القلوب , هو الغرام يعني الخصام .
وفي عام 1910 بدأت الحان الموسيقار داوود حسني بنوع جديد من الموسيقى وهو مزج بين الموسيقى الشعبية مع الموسيقى التقليدية ومن خلال هذه الموسيقى دخل الى قلوب الجميع والى المجتمع المصري في كافة طبقاته وأنتشرت ألحانه وأغانيه في مصر والبلدان العربية وكانت أغانيه خفيفة وبسيطة وسلسة ومن أبرز هذه الأغاني والطقاطيق :
صيد العصاري يا سمك بني (مقام رست)؛ حلواني هاتيلي ملبس (حجاز )؛ يا تمر حنا ( عراق ) وغيرها.
لقد أتبعوه من بعده كل من الموسيقيين سيد درويش , زكريا أحمد , إبراهيم شفيق في تلحين هذا النوع من الموسيقى الفلكلورية .
وله أعمال في التواشيح وكذلك في القصائد الشعرية التي قام بتلحينها:
يوم الوداع؛ عيون المها؛ يا ليلى لظلى؛, ثم توجه إلى الأوبريتات وكانت أول محاولة له قدمت فرقة نجيب الريحاني أوبريتات هزلية تعكس السخرية آو القدر المحتوم في حوار لطيف وأول أوبريت قام بتلحينه هو (صباح), وأوبريت معروف الإسكافي وهي من إحدى قصص آلف ليلة وليلة وغيرها من الأوبريتات التي قام بتلحينها …
ثم أتجه الى ألحان الأوبرا وأول أوبرا قام بتلحينها هي أوبرا ( شمشون ودليلة ) وهي مأخوذة من التوراة كتبها بشارة يوكايم وقامت بالأداء فاطمة سرى وزكي عكاشة .
وقد فاق داوود نفسه بتلحينه ” القس ” وصلاة عبدة الأصنام مع الموسيقى التصويرية للمعبد . وفي مؤتمر الموسيقى المنعقد في القاهرة سنة 1932 برعاية المعهد العالي للموسيقى العربية وحضره مشاهير الموسيقيين والفنانين من ألمانيا وفرنسا لقد نجح المؤتمر بتسجيل وحفظ آلاف من نماذج الموسيقى العربية التقليدية والمعاصرة من شمال إفريقيا إلى منطقة الشرق الأوسط وقال داوود حسني بأنه يجب إيجاد مكان مناسب للموسيقى المصرية وطابعها المميز الذي يختلف تماماً عن باقي موسيقى الشرق الأوسط بشمولها الربع مقطع (تون ) في المقام . لقد لاحظ علماء الموسيقى ألحان تحمل معالم موسيقية الطابع من النوع المميز الغامض الذي يسمو ويرفع الروح المعنوية للسامع .
وقال حسين فوزي مؤلف أوبرا كليوباترا أن الموسيقى الممزوجة بالغموض تلاحضها في موسيقى الجنود وهم في معبد إزيس ومن الطبيعي أن داوود وجد الإلهام من نشيد ألإنشاد للملك سليمان .
لم تكن موسيقى الموسيقار داوود حسنى فقط موسيقى إيقاعية منسجمة بل كانت أيضاً موسيقى تعبيرية , لقد قدم الموسيقار داوود حصيلة خصبة وخالدة من الموسيقى تفتخر بها البلاد العربية لأجيال قادمة لقد قدم أكثر من خمسمائة أغنية وثلاثون أوبرا وأوبريت.
توفي في العاشر من ديسمبر سنة 1937 ودفن في مقبرة اليهود القرائيين بالبساتين بالقرب من القاهرة تاركاً كنوزاً خالدة من الموسيقى وألألحان العذبة .
---------------
* المصدر: موقع الفنان مازن المنصور: www.mazenguitar.com
|