اللاعنف يحتاج إلى النساء
أسمى عصفور*
رام الله - ليس من الأسهل لامرأة فلسطينية أن تقول أنها تريد العمل ضد التطرف العنفي في مضمون النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. بداية، من الصعب علي، كوني امرأة، أن أعبّر عن انتقاداتي وأبقى صوتاً سياسياً شرعياً. إضافة إلى ذلك، ولأن الحياة في مكان يسوده النزاع الوطني والسياسي متوترة دائماً، يستطيع المرء أن يجد معانٍ مختلفة لتعبير "التطرف". على سبيل المثال، اعتبر الفلسطينيون الانتفاضتين الأولى والثانية أعمالاً وطنية ضد الظلم. أما الجانب الإسرائيلي فقد اعتبر نفس الانتفاضتين أعمال عنف. في هذه الأثناء اعتُبرت الحرب الأخيرة في غزة إجراءات أمنية ضرورية من قبل إسرائيل، بينما يعتبرها الفلسطينيون هجمة ضد المدنيين.
تتشكل مفاهيم التطرف والعنف نتيجة للمضمون الذي حصلت به. وكامرأة فلسطينية شهدت الانتفاضتين، تأثرْت كثيراً، نفسياً وسياسياً، بأعمال القتل والقصف ومنع التجول والحواجز ونقاط التفتيش وجدار الفصل. لقد شكّل العنف الذي شهدته وإلى درجة بعيدة شخصيتي وهويتي. إضافة إلى ذلك، فقد نشأت على حب وطني والإيمان الراسخ بحق وطني في العيش بكرامة على أرضه. أجد صعوبة شديدة في القول، لنتوقف عن المطالبة بحقوقنا فقط من أجل السلام. هذا أمر لا يمكن لإنسان وطنيّ أن يفعله.
ولكن رغم كوني محاطة بالعنف، إلا أنني أومن بالطيبة الأساسية للإنسانية، ولا أعتقد أن أفراد الأمم الحديثة يجب أن يدفعوا حياتهم ثمناً لأساطير ونزاعات تاريخية. لا يخدم سبيل العنف نضالنا الشرعي من أجل الاستقلال.
تجعلني حقيقة أن العنف مستمر منذ أكثر من ستة عقود، قلقة وبشكل خطير، ليس فقط من احتمالات حل سلمي، وإنما كذلك من آثار العنف على الحياة اليومية للناس الذين يعيشون في المنطقة. يؤثر العنف بشكل مماثل على المتسبّب به تماماً كما يؤثر على من يعاني منه. فليس من المتوقع أن يعامل طفل شَهِد أعمال قتل في غزة الآخرين بأسلوب هادئ ولطيف كطفل نشأ بعيداً عن القتل والقصف.
يحمل العيش في بيئة تتبنى العنف كإستراتيجية للتعامل مع الآخر في طياته أثراً سلبياً على المواقف والمعتقدات المتعلقة بالآخر. إضافة إلى ذلك وكما نعلم جيداً، لا ينتج العنف إلا العنف. في نهاية المطاف، تتحوّل أعمال العنف الموجهة ضد شخص خارجي إلى الداخل نحو الذات. ويمكن لذلك أن يؤدي إلى فوضى داخلية تجعل الأمة تحيد عن هدفها في الاستقلال. يحتاج القادة وغير القادة على حد سواء أن يدرسوا أسباب تحوّل النزاع إلى هذا الحد من العنف، وأثره على مجتمعاتنا حتى يتسنى لهم فعلياً أن يعملوا للحد منه.
لدى النساء الفلسطينيات، كمواطنات فلسطينيات، الكثير ليقلنه في هذا المضمون. فهن من ينشِئن الرجال. كما أن النساء ولأنهن أمهات، هن الشركاء الحقيقيين في بناء الدولة المستقبلية. إضافة إلى ذلك، تستطيع النساء، اللواتي يعتبرن أكثر قابلية لتبني اللاعنف، أن يمارسن ضغوطاً كبيرة لوقف العنف الداخلي أولاً، ومن ثم تشكيل رؤية مشتركة نحو الدولة المستقبلية.
وأنا، كوني فلسطينية ووطنية، لا أستطيع التوقف عن النضال من أجل الحصول على حقوق شعبي في دولة فلسطينية. إلا أن قيمي تفرض علي السعي من أجل الحقوق من خلال أساليب لاعنفية. ومن ناحية عملية، تملي البراجماتية ذاتها أيضاً تبنّي الأسلوب اللاعنفي.
أنادي بالسلام بكرامة. وهذا يعني تبني إستراتيجية شاملة جديدة تحدد أسلوباً للحصول على حقوقنا كفلسطينيين، حتى لو احتاج الأمر وقتاً طويلاً. يمكن لنضال لاعنفي أن يشكل الجواب الذي يؤدّي كذلك لأن تدعم أمم أخرى قضيتنا.
يسألني الكثير من أصدقائي في الخارج لماذا لا يوجد بعد أي حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. أدرك في هذه اللحظة أن الناس لا يعرفون الكثير عن القضية وتعقيداتها. يحتاج تحقيق السلام إلى قادة شجعان يؤمنون بالإنسانية وحقوق الأمم في العيش بكرامة وسلام.
لا يعني العيش بسلام أن على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يكونوا أصدقاء، ولا يعني كذلك التنازل عن الحقوق الفلسطينية. السلام كما أراه هو إيجاد أفضل طريقة واقعية للعيش بكرامة دون حرب.
--------------
* أسمى عصفور, عضوة في بلدية سنجل وناشطة في قضايا المرأة.
المصدر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 10 أيار- مايو 2010 - www.commongroundnews.org
|