מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

في ذكرى

جوزيه ساراماغو

(2010-1922)

جوزيه دي سوزا ساراماغو ((José de Sousa Saramago, ولد في أزينهاغا لعائلة من فقراء المزارعين، • لفقر أسرته انقطع عن الدراسة ولم ينل تعليما جامعيا. بدأ حياته صانعا للأقفال ثم صحافيا ومترجما قبل أن يكرس وقته كليا للأدب.

أصدر روايته الأولى "أرض الخطيئة" عام 1947 وتوقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاما ليصدر عام 1966 ديوانه الشعري الأول قصائد محتملة. أصدر نحو عشرين كتابا ويعتبره النقاد واحدا من أهم الكتاب في البرتغال بفضل رواياته المتعددة الأصوات والتي تستعيد التاريخ البرتغالي بتهكم دقيق قريب من الاسلوب الذي اعتمده فولتير. في العام 1992 نشر رواية “الإنجيل حسب المسيح” التي أثارت ضجة كبيرة، و اتهم بسببها من قبل حكومة بلاده بالتعرض للتراث الديني البرتغالي، كما طالبت الكنيسة بمنعها، مما دفعه لمغادرة البرتغال، ليستقر في جزيرة لانزاروتي بجزر الكناري الإسبانية.

عضو في الحزب الشيوعي البرتغالي منذ عام 1959.  اشتهر بمواقفه التقدمية و دعمه لقضايا الشعوب المكافحة من اجل الحرية. عبر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الإحتلال.

حصل على جائزة نادي القلم الدولي عام 1982 وعلى جائزة كأمويس البرتغالية عام 1995. في أكتوبر من عام 1998 منح جائزة نوبل في الأدب.

 

"إن الحياة دون موت... مثل الحياة دون خبز..."

 

في رواية " انقطاع الموت" يطرح الروائي البرتغالي خوزية ساراماغو التساؤل المثير "ماذا لو توقف الموت عن العمل؟... ماذا لو استمرت الحياة دونما انقطاع؟.".. ثم يصل بالقارئ عبر أحداث الرواية إلى استنتاجها الرئيسي أن الحياة تحتاج إلى الموت ليعطيها معنى. ولكن حياة ساراماغو لم تكن تحتاج إلى موت كي يعطيها معنى. فالمعنى خلقه الكاتب عبر التصاق حياته بقضايا الناس وحقوقهم وتطلعاتهم المشروعة. (عطية صالح الأوجلي)

 

"انقطاع الموت" (مقطع)

 

في اليوم التالي لم يمت أحد. تلك حقيقة مؤكدة. ولأنها تناقض قوانين الحياة، فقد أثارت قلقا هائلا و مبرّرا جداً في عقول الناس. علينا أن نتذكر أنه في الأربعين مجلداً من تاريخ العالم لم تحدث مثل هذا الظاهرة ولو لمرة واحدة، لم يحدث أن مر يوما كاملا بساعاتِه الأربع والعشرون، بنهاره وليله، دون أن يقع موتا واحدا لمرض,أو لسقوط قاتل، أَو لانتحار ناجح،.... ليس ثمة موت واحد. ولا حتى من حادثة سيارة، وهو أمر شائع حدوثه في المناسبات البهيجة، عندما يلتحم التهور والإفراط في الكحول ليتسابقا في تحديد من سيصل الموت أولاً. حتى عشية السنة الجديدة أخفقتْ في أن تتَرْك خلفها،كعادتها، طابور الضحايا المفجع.

  بدا الأمر كما لو أن "اتروبوس" (آلهة الموت) العجوز بأنيابها الحادة قد قرّرتْ التخلي عن حصتها هذا اليوم. ورغم غياب الموت، لم تغب الدماء.

  بحيرة، وارتباك، وذهول، كافح رجال الإطفاء من أجل السَيْطَرة على شعورهم بالغثيانِ، وهم ينتزعون البقايا المشوّهة التعسة مِنْ الأجساد التي، طبقاً للمنطقِ الرياضيِ الصارم، لا أمل لها في الحياة. و بالرغم مِنْ خطورة الإصابات والجروحِ فقد بقت حيّةً وحُمِلَت إلى المستشفى، يرافقها صخب أصوات سيارةَ الإسعاف. لم يمت احد من المصابين في الطريق وتحدوا بذلك أكثر التوقعات الطبية تشاؤما.

  "لا يوجد ما يمكننا فعله، لا جدوى من إجراء العمليات, إنها مضيعة كاملة للوقت"، حدث الجرّاح الممرضة بينما كَانتْ تُعدّل قناعه. المريض الذي كان من المستحيل أن يعش بالأمسِ، بدا اليوم واضحا أنه يرفض المَوت، وأن ما يحدث هنا يتكرر في أرجاء البلاد.

  حتى أخر قبس مِنْ أخر ليلِ في السَنَة كان الناس يلقون حتفهم في التزام كاملِ بقواعد اللعبة، سواء تلك المتعلقة بلب المسألة، إي إنهاء الحياة، أو تلك المتعلقة بشكلها إي الدرجات المتفاوتة من مظاهر الأبهة والوقار التي ستصحب اللحظة القاتلة.

  لكن ثمة حالة مثيرة جداً، ربما لطبيعة الشخص المعني، وهي الملكة الأمِ العجوز الوقور. ففي الدقيقة الواحدة بعد منتصف الليل من الحادي والثلاثونِ لديسمبر/كانون الأول، ما كان أكثر الناس سذاجة ليراهن على بقاء السيدة العجوز على قيد الحياة. لم يكن ثمة أمل، ومع عجز الأطباء في وجه الحقائق الطبية القاهرة، لم يكن أمام العائلة المالكة ما تفعله سوى أن تجلس باستسلام وبشكل منظم حول السرير، في انتظار الأنفاس الأخيرة لكبيرة الأسرة المالكة، ربما لسماع بضعة كلمات منها, أو تعليقا أخيراً حول التنشئة الأخلاقية لأحفادها المحبوبين،أو جملة مؤثرة موجهة إلى الذاكرة الجاحدة للأجيال القادمة.

  بعد ذلك، بدا الزمن كما لو أنه تَوقّف، لم يحدث شيء. لم تتحسن حالة الملكة الأم ولم تتدهور، بَقيت معلقة، يتأرجح جسدها النحيف على حافة الحياة، مهدد في إي لحظة بالسقوط في الجانب الآخر، يشده طرف خيط واهي إلى هذا الجانب، بينما يواصل الموت شد الطرف الأخر. وهكذا دخلنا اليوم التالي، و كما قلنا في بداية الحكاية، كان اليوم الذي لم يمت فيه أحد.



 

 

6/28/2010