ذكرى ال-65 للقصف الذري الاميركي علي هيروشيما وناجازاكي
"كلما نسمع أو نتذكر فاجعة هيروشيما؛
نخجل من كوننا بشراً"
بقلم: جلال زنكابادي *
هوذا لسان حال كل من يرى أن فاجعة هيروشيما وناكازاكي الأليمة لن تنسى مهما تقادمت، وليس ثمة أيّ داع يقلل من أهمية التذكير بها تاريخياً وأدبياً وفنياً؛ مادامت هنا وهناك قوى شريرة على كوكبنا تتمادى في إختراع وتطوير أسلحة الدمار الشامل، التي تفتك بالبشر والحيوان والنبات حتى الجماد، ولايردعها رادع من إستخدامها، ثم إن تلك القوى لم ترعو ولن ترعوي برغم تراجيديات الحروب البشعة المشهودة في سائر أرجاء المعمورة، بل مازالت الأبواق الدعائية لتلك القوى وأثرياء الحروب تشوّه الحقائق وتموّهها، لاسيما بما يتعلق بهذه الفاجعة العظمى؛ بغية أن يسلّم المتلقون بالدعوة الباطلة، التي مفادها: لو لم تلق القنبلتان الذريتان على هيروشيما وناكازاكي، ولو لم يهلك ويتشوّه مايربو على ستمائة ألف من العزل الأبرياء؛ لما كانت الحرب العالمية الثانية تنتهي!
ياله من تشويه وتزييف للحقيقة! وهي حقيقة ساطعة جداً؛ فبعد إندحار ألمانيا النازية، وإنسحاب اليابان من جبهة منشوريا في الصين، كانت الحرب موشكة على الإنتهاء فعلاً؛ وعليه لم تكن مجزتا هيروشيما وناكازاكي إلاّ ممارسة جينوسايدية مقصودة- رغم مظهرها العشوائي والعبثي- حفّزتها هستيريا الإسراع بتجريب السلاح الجديد، إضافة إلى الإنتشاء باستعراض القوة على الحلبتين العسكرية والسياسية في العالم آنذاك
لم تكن لفظة (هيروشيما) حتى (6آب1945) تتعدى مجرد إسم لإحدى المدن اليابانية، وربما لم يسمع به الكثيرون، غير انه سرعان ما أصبح رمزاً لأبشع مجزرة وأكبر فاجعة على مر العصور؛ حيث أهلكت أولى القنابل الذرية في هيروشيما، وفي لحظات معدودة(240 ألفاً) وجرحت وشوّهت مايربو على (163ألفاً) وبعد مضيّ ثلاثة أيام ألقيت القنبلة الثانية على مدينة ناكازاكي؛ فقتلت في الحال (73884 نسمة) وجرحت (74904) ومنذئذ سُطّرت عن تلك الواقعة الرهيبة، الآلاف من الكتب والمقالات والقصائد والقصص، فضلاً عن الأفلام والمسرحيات واللوحات...إلاّ أن رواية ( KUROI AMEالمطر الأسود) للكاتب الياباني ماسوجي إيبوسيه (1898-1993) المولود في إحدى القرى القريبة من هيروشيما، تعد أول عمل أدبي مستلهم من داخل هيروشيما المفجوعة نفسها، أي من مسرح الفاجعة. وبالطبع هنالك العديد من الروائيين اليابانيين من مجايلي إيبوسيه والأجيال التالية قد كتبوا عن الفاجعة نفسها، من أمثال: أووكا شوهاي (1909- )، هانييا يوتاكا (1909-1997)، هوتا يوشيه (1918-1998)، كيم سوك بوم (1925- )، إينووي ميتسوهارو(1926- )، فوكازاوا شيجيرو، نوما هيروشي، و أودا ماكاتو(1932- )
كتب Masuji Ibuse رواية (المطر الأسود) عام 1965وصدرت ترجمتها الإنكَليزية في1969 وقد أُعيد طبعها أربع مرات خلال السنتين1969و1970وبلغ المبيع من طبعتها الأولى300ألف نسخة، وسرعان ما ذاع صيتها كإحتجاج بليغ وصارخ ضد إبادة الإنسان لأخيه الإنسان، وترجمت إلى العديد من اللغات العالمية، ومنها (الفارسية،التي إطلع عليها كاتب هذه السطور) ثم إن هذا الإحتجاج ليس إحتجاجاً سياسياً وإستنجاداً فحسب؛ بل يصبح المرء غير ماكان عليه من قبل حتماً.

تتميّز رواية المطر الأسود بنسيجها اللامألوف والفريد، وهي باختزال خاطف، تروي مأساة فتاة جميلة يصيبها المطر الأسود، الذي مابرح ينهمر بعد المجزرة الهائلة، ويحاصر الناس..وقد وظف الروائي تلك الشخصية الرئيسة كبؤرة( بصفتها ذاتاً إنسانية) لتجميع وتفجير مشاعر الرعب والهلع عند وقوع الكارثة الرهيبة، أما في بنائها الفني فقد إستند إيبوسيه إلى كم هائل من الوثائق والتقارير والأسانيد، ناهيكم عن شهادات شهود العيان، بعد تشذيبها وصقلها طبعاً،فضلاً عن أن الروائي مسنود بخبراته كروائي متمرس (منذ1923 وناشر لمجموعة كبيرة من أعماله في 1942) ومنخرط في الجماعة الأدبية (سيكي/القرن) وصحافي بارع ورسام (حيث درس في أكاديمية الفنون الجميلة) ومثقف واسع الإطلاع ، وخصوصاً باللغة الفرنسية (حيث درس الأدب الفرنسي في جامعة واسدا) وتجربته في الخدمة العسكرية لمدة عام إبان الحرب ولاريب في ان المسافة الزمنية الفاصلة بين الحدث الفاجع وكتابة الرواية قد أتاحت المجال لإيبوسيه؛ للبحث والتأمل والتروي وإعادة النظر في الكثير من المعطيات التاريخية، فمنح كل ذلك للرواية، الصياغة المحبوكة والإيقاع الموائم، بعدما حظيت كتابتها بالبعد المناسب عن خضم الحدث وسخونته.
برغم الجو التسجيلي الطاغي على الرواية، تطالعنا فقرات وحوارات مترعة بالشعرية مثل:
[ قال لنفسه متنبّئاً:
-" إذا هلّ الآن قوس قزح فوق تلك الروابي؛ ستحدث معجزة"
ثم أسرّ لنفسه وعيناه ترمقان الروابي المجاورة:
-"دع قوس قزح يظهر...فسيشفى ياساكو "
مع أنه كان يعرف أن كل الأمنيات قد لاتتحقق دائماً]
-------------
* جلال زنكابادي – zangabady@gawab.com
المصدر: http://www.irakiwriter.com/ - فبراير- شباط 2009.
|