מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

ماذا فعلنا من أجل سكينة

وعائشة وزهرة وأخريات ؟

بقلم: وائل السواح *

 

ناشد نجلا السيدة الإيرانية سكينة محمدي أشتياني (تبلغ من العمر 43 عاما) التي حُكمت بالرجم حتى الموت لاتهامها بالزنا سكينة اشتياني العالم بالتدخل لمساعدة والدتهما. وهما قالا بلغة حزينة ومؤثرة إنهما يشعران بالوحدة وأن "الجميع قد تخلى عنا في إيران، عدا محامي والدتنا الشجاع جافيد هوتان كيان." وأضافا أن مسؤولين في طهران قالوا لهما إن "الرأي العام العالمي مهتم بحياة والدتنا الآن، لكن حالما سيقلّ الاهتمام بقضيتها، حينئذ سيعودون لتدمير حياتنا."

 

العالم كان استجاب لسكينة، 43 سنة، حتى قبل مناشدة ولديها. فقد شهدت نحو 100 مدينة فرنسية وغربية الشهر الماضي مظاهرات احتجاجية لمطالبة إيران بوقف حكم الإعدام رجما على سكينة محمد اشتياني. وطلبت فرنسا من دول الاتحاد الأوروبي النظر في اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة خطر رجم سكينة. وكتب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في رسالة وجهها الأربعاء إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون "بات من الضروري توجيه رسالة مشتركة من الدول الأعضاء كافة إلى السلطات الإيرانية، إذا أردنا إنقاذ هذه السيدة الشابة".

 

 سكينة أشتياني


وتصاعدت حركة المجتمع المدني والسياسي في الأسابيع الفائتة للحؤول دون تنفيذ العقوبة باشتياني، حيث وصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عقوبة الرجم بأنها "من القرون الوسطى". وأطلقت عريضة في منتصف أب/أغسطس في باريس وقعت عليها شخصيات سياسية وفنية وثقافية من مختلف الدول وبعضهم من حائزي جائزة نوبل. كما وقع الرئيسان السابقان جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان العريضة التي تجمع يوميا ما بين 1800 و2000 توقيعا.


وأصدر الفاتيكان بياناً قال فيه إن البابا بنديكت السادس عشر "يتابع باهتمام" قضية الإيرانية سكينة محمدي اشتياني، التي تنتظر معاقبتها بـ"الرجم" حتى الموت، بعد إدانتها بارتكاب جريمة "الزنا،" دون أن يستبعد حصول تدخل عبر "قنوات دبلوماسية" لحل القضية.


والسؤال: ماذا فعنا نحن العرب والمسلمين لمساعدة سكينة؟ لقد تلقينا خبر الحكم بالرجم بين متقبل للحكم ولا مبال به.

قبل أيام، هدد رجل مهووس بالشهرة يتزعم طائفة لا تزيد عن ثلاثمائة شخص في أمريكا بحرق نسخ من القرآن الكريم، فخرج عشرات الآلاف من المسلمين إلى الشارع للتنديد والتهديد. وشارك في التنديد أفراد وجماعات من شتى أصقاع الأرض، بينهم البابا بينيدكت السادس عشر والرئيس أوباما وآلاف من ناشطي المجتمع المدني في العالم.

حرق القرآن، أو أي كتاب مقدس آخر، هو عمل أخرق ولا أخلاقي معا. ولكن حرق الكتاب في النهاية لا يعني حرق المضمون. وحتى لو أحرقت كل نسخ المصحف في العالم، فإن القرآن يظل في صدور الحافظين. ومع ذلك قام المجتمع الدولي الرسمي والمدني بواجبه في مواجهة القس الذي أراد الشهرة فحصل عليها.

 

وفي رمضان قامت قائمة رجال الدين على مسلسلين دراميين تلفزيونيين في سورية ومصر أرادا أن يصورا الأمور على حقيقتها بالنسبة لبعض رجال الدين الذين يحققون فوائد شخصية من التجارة بالدين، ويتمتعون بازدواجية بينة في المواقف من المرأة والدين والمجتمع. والمسلسلان هما "الجماعة" الذي عرض لتاريخ الإخوان المسلمين في مصر، و "ما ملكت أيمانكم" الذي عرض للدور الذي لعبه بعض رجال الدين في إرسال لمقاتلين إلى العراق ودفع المجتمع السوري نحو الانغلاق والراديكالية.


وبقينا وبقي المثقفون والكتاب ورجال الدين والدعاة ومفتو الشاشات الفضائية صامتين إزاء تنامي ظاهرات مرضية بعيدة عن جوهر الدين من مثل "جريمة الشرف التي تزداد بشكل سرطاني في الأردن وسورية ومصر وفلسطين وأفغانستان وباكستان وإيران. وبينما تتدفق المعلومات والأرقام من أقلام هؤلاء الرجال وأفواههم، فإن قلّة قليلة جدا ذكرت على سبيل المثال أن معدل جرائم الشرف في الأردن، مثلا، يبلغ سنويا بين 12 و14 جريمة، وهو رقم رسمي ربما لا يعبر عن حقيقة الأمر، وأن أكثر من 3000 امرأة مغربية تعرضت للعنف المنزلي خلال العام الماضي وأن 23% من النساء في الدوائر والمؤسسات الحكومية في إقليم كردستان العراق يتعرضن للعنف، وأن سورية بين أكثر خمس دول في العالم تُرتكَب فيها "جرائم شرف."


كما بقينا وبقوا صامتين أمام حالة الفتاة الصومالية عائشة إبراهيم، التي جُرَّت إلى حفرة أمام المئات في العام 2008 وهي تصرخ: "لا تقتلوني،" وكانت جريمتها أنها اغتُصبت من ثلاثة شبان، وعندما قامت عائلتها بتقديم شكوى لحركة الشباب الأصولية المتشددة، قررت الأخيرة عقابها. ومثلها حالة فتاة وُجدت جثتها في مجاري المياه، في داهاركي في باكستان، وقد شوّهت ببتر أذنيها وأنفها وشفتيها قبل قتلها، وعندما أراد سكان القرية دفن جثتها المتحللة رفض شيخ القرية الصلاة عليها لأنها “آثمة”، وقبلها أيضا أمام حالة السورية زهرة العزّو، التي قتلت عل يد أخيها عام 2007، وكانت قد أكملت للتو عامها السادس عشر، وتعرضت لاختطاف من قبل أحد أصدقاء العائلة في محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، ثم عادت، فتزوجت ابن خالتها فواز، وحضر والدها عقد قرانها، قبل أن يرسل أخاها ليغسل شرف العائلة.

 

ولا يزال من أسهل الأمور إخراج المسلمين إلى الشارع ليحتجوا على أشياء لم يروها ولم يقرؤوها ولم يعرفوا مضمونها. ومن جديد إن حرق القرآن عمل لا أخلاقي وأخرق، وإعدام سكينة هو أيضا عمل لا أخلاقي وأخرق. وبينما لا ينهي حرق القرآن وجود القرآن، فإن رجم سكينة حتى الموت يعني إعدام امرأة، "لأنك أحببت، لأنك امرأة،" كما ذكرت كارلا بروني السيدة الفرنسية الأولى، التي انضمت إلى حملة تهدف لإنقاذ سكينة اشتياني من تنفيذ حكم برجمها.


لم تخطئ السيدة بروني، ورد الفعل من الصحافة الإيرانية جاء أقل من المستوى الذكي الذي نعهده فيها عادة، ووصفت صحيفة إيرانية كارلا بروني زوجة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنها "عاهرة" بعد أن انتقدت توجه طهران لرجم سكينة حتى الموت. وأبرزت صحيفة (كيهان) العنوان التالي "العاهرات الفرنسيات ينضممن إلى مظاهرة حقوق الإنسان"، متهمة سيدة فرنسا الأولى بالنفاق.


وتبنى الموقع الالكتروني لمجموعة "إيران" الإعلامية الحكومية رأي كيهان، مضيفا أن "سوابق (كارلا بروني) تدل بوضوح سبب دعم هذه المرأة غير الأخلاقية لامرأة حكم عليها بالرجم حتى الموت في قضية زنى وقتل زوجها". وانضم التلفزيون الحكومي الإيراني إلى الحملة ضد بروني بالقول إنها "حاولت أن تبرر فجورها الشخصي".


وإذن، لماذا لم يعلق المعلقون ويفتِ المفتون ويحرِّم المحرِّمون مثل هذه الجرائم التي تُرتكَب باسم الدين؟ وإذا فهمنا موقف الإسلاميين، فكيف نفهم موقف المثقفين الذين يهرقون يوميا الحبر للكتابة والتبشير بالديمقراطية، دون أن يلحظوا حالة سكينة أو عائشة أو زهرة أو أخريات هن على الطريق؟


لم يفت الوقت تماما، وما زال ثمة متسع للبدء. ولئن كانت عائشة وزهرة وآلاف النسوة قد قضين ظلما، فلدينا الآن قضية سكينة. فلنبدأ إذن بمشاركة العالم في حملة الدفاع عنها.

-------------

* المصدر: الأوان - www.alawan.org -  21  أيلول (سبتمبر) 2010.

 

عدد من التعليقات حول الموضوع

اريانة - أحلام بن حفصية:

متى سيتوقف هذا السوس الذي ينخر عقول المجتمعات العربية والاسلامية و الذي يسمى التخلّف. لو كان هناك عدل في المجتمع الاسلامي لرجم أكثر من 90 بالمائة من الرجال في هذه المجتمعات بتهمة الزنا لكنه مجتمع رجالي بالأساس لا يطبق سلطته و " شريعته "الاّ على الضعفاء.

 

دمشق - حمود حمود:

هل سكوت المثقفين علامة رضا منهم على شرعنة إقامة هذه المذابح؟ أظن أنه نعم. المشكلة لم تنته هنا. فوجئت مرة في لقاء كنت أستمع له لأحد المثقفين (الذين يهدرون من الحبر كثيراً) أنه يدين شيرين عبادي. لماذا؟ لأنها تأتمر بأوامر الغرب والصهيونية!. يا ليت المثقفين أو المتثاقفين يسكتون فقط بل إننا نرى بعضهم يشرع إقامة هذه المذابح الدينية، ومتى؟ عندما تتصدى جمعيات حقوقية عالمية لإدانة هذه القبائح الدينية، بحجة غرب وشرق، وهويات زائفة. في بعض البلدان العربية تُباد المئات من الأقليات، -ونحن نعلم ذلك-، بعض المثقفين لم يسكتوا فقط، بل أدانوا هذه الأقليات، من خلفيات قومجية وعروبية. وأذكر مرة أن “فيصل درّاج” قد أشار إلى هذا. النقطة الأخرى التي أريد أن ألفت النظر إليها، لقد لاحظت من خلال التداعيات التي أتى المقال على ذكرها، وأكملها الأستاذ رامي قبلي، أن قضية سكينة أصبحت على ما يبدو أنها خرجت (أو هي في طور الخروج) من قضية حقوقية وإنسانية إلى قضية سياسية بين رؤساء ودول، ومع من؟ مع إيران الإسلامية!! (الغرب مع الإسلام النووي الإيراني!!)، وهذا كله يتم على حساب قضية سكينة، ولربما نسيانها. لا بد من إخراج هذه المسألة من أيادي التجاذبات السياسية. وهذا يجب الحذر منه بالنسبة للمثقفين حينما نصرخ للدفاع عن قضية سكينة. نعم إنني أضم صوتي للمقال لمشاركة العالم في الدفاع عن حق "سكينة" في الحياة. وشكراً لكاتب المقال، على صوته الإنساني القوي الذي كانت تتنفس به سطوره.

 

سورية - دمشق - أحمد وكيل:

محق الكاتب بدون شك - وأي انسان - بالوقوف مع سكينة وعائشة، لكن ماذا كتبتم عن قضية طل الملوحي أو غيرهن من النساء المعتقلات من الأنظمة العربية واللواتي يتعرضن للتعذيب. المادة والتي هي من المفترض أنها تتحدث عن الظلم الشديد الذي تتعرض له المرأة، تتجنب بشكل واضح أن تكون متناسقة وتذكر قضية المعتقلة السورية الشابة طل الملوحي، خصوصا أن القضية اتسعت مؤخرا وصار لها صدى - ولو أنه لم يصل إلى ربع صدى قضية سكينة بعد. يدعو أيضا للاستغرابعدم ذكر الموضوع إطلاقا ليس فقط في هذه المادة بل على كامل صفحات الأوان - الموقع العقلاني الثقافي العلماني - حتى الآن. على المثقفين أن لا يستقيلوا بهذا الشكل من مجتمعهم. هو نقد لأجل الأفضل لا اكثر.

 

9/27/2010