إستعادة وثائق تاريخية من النسيان
فلسطين, 1948 *
أ) عصبة التّحرّر الوطني
حيفا, 2.5.1948
إنّ الكارثة المؤلمة التي حلّت بكيان المجتمع العربي في حيفا وقضائها، كارثة أرادها الاستعمار وسعى إليها جادًّا. هي من سلسلة مآس رمى بها بلادنا منذ أن سعى إلى إلغاء ما أجمعت عليه منظّمة الأمم المتّحدة من إنهاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبيّة.
وقد نبّه حزبنا دائمًا إلى هذه المؤامرات التي يحيكها الاستعمار وإلى انجرار قادة الحركة الوطنيّة في فلسطين وراء سياسة يُمليها الاستعمار البريطاني، سياسة تقوم على تقوية الصّراع القومي بين العرب واليهود باعتبارها وسيلة لمنع التّقسيم، وما دروا أنّ الصّراع القومي إنّما يُثبّت التّقسيم ويُفرضه بشكل يؤمِّن مصلحة المستعمر ويسلب أهل البلاد ذلك الاستقلال الذي كان يمكن أن تضمنه منظّمة الأمم المتّحدة بتأييد القوى الدّيمقراطيّة فيها.
لقد نجح الاستعمار إلى حدٍّ كبير في مؤامراته هذه بإذكاء نار الحرب القوميّة، ووصل إلى ما كان يصبو إليه من إلغاء لقرار الامم المتّحدة بالاستقلال وجلاء الجيوش وبذلك أصبح سيّد الموقف يُملي الحلول والمشاريع التي يراها ملائمة للمحافظة على سلطانه ونفوذه.
إنّ موقف حكومة الاستعمار من حودث حيفا وقضائها بمساعدتها الفعّالة للقوّات اليهوديّة أثناء عمليّة الاحتلال وما تبع ذلك من تصريحات للمندوب السّامي وممثّل بريطانيا في منظّمة الأمم المتّحدة، كلّ هذا يوضّح تواطؤ الاستعمار مع أعوانه من الزّعماء اليهود على تنفيذ مشروع للتّقسيم يحصل بموجبه على قواعد إستراتيجيّة وعلى امتيازات لاستغلال النّفط في مناطق الدّولة اليهوديّة.
إلاّ أنّ للعبة الاستعمار هذه شقًّا آخر، ففي الوقت الذي يتابع فيه وكلاؤه نشاطهم لاذكاء نار الحرب القوميّة في فلسطين يقوم أولئك بتوجيه الرّأي العام العربي نحو الملك عبد الله عميل الاستعمار البريطاني "ليُنقذ" فلسطين ويُنقذ متطوّعي الجامعة العربيّة من الورطة العسكريّة التي وجدوا أنفسهم فيها والأمور تجري في هذه الناحية كما يريدها الاستعمار فقد اتّجهت الجامعة العربيّة نحو الملك عبد الله ليقوم بعمل حاسم، ولهذا السّبب وحده زاره رئيس الهيئة العربيّة العليا وأيضًا وفود عديدة من فلسطين. وهذا هو عين ما يريده الاستعمار الا وهو دخول الجيش العربي بقيادة أبي حنيك لفلسطين. إنّ لعبة الاستعمار ستتم بأن يحتل جيش أبي حنيك بعض المستعمرات اليهوديّة النّائية وبعض أقسام من فلسطين تحتّم الوكالة اليهوديّة بإدخالها في نطاق دولتها ويُنكّل بسكّانها اليهود موهِمًا العرب بأنّه منقِذَهم وأنّ أعماله البطولية هذه توطئة لاحتلال فلسطين بأكملها وتسليمها للسُّكّان العرب، إلاّ أنّ جيش الملك عبد الله سيقف عند حدود معيَّنة له وعندئدٍ سيجد الاستعمار البريطاني سبيلاً لهدنة يعقدها بين عملائه. أمّا الملك عبد الله إذ يمثّل دور "المنقذ" فإنّه يأمل بالحصول على ترحيب عرب فلسطين الأمر الذي يُسهّل له البقاء نهائيًّا في فلسطين في الأجزاء التي يكون قد احتلَّها جيشه. وهكذا تتم لعبة الاستعمار البريطاني بإقامة دولة يهوديّة تؤمِّن مصالحه وما يطمع به من مراكز إستراتيجيّة وامتيازات بتروليّة، وفي الوقت نفسه يضمّ القسم العربي إلى شرق الأردن حيث يرتبط مليكها بمعاهدة رقٍّ وعبوديّة.
إنّ مأساة حيفا وقضائها التي وقع ضحيَّتها عشرات الألوف من العائلات المشرَّدة ومئات القتلى والجرحى من نساء وأطفال يجب أن تفتح أعين الشّعب العربي ليسلك طريق النّضال الصّحيح ضدّ الاستعمار ومؤامراته، ضدّ سياسة أعوانه وأجرائه من زعماء سياسيّين وعسكريّين يجرّون الشّعب العربي إلى القيد. إنّ هذه المأساة ليست من صنع الغلاة الصّهيونيّين الذين نفّذوا رغائب الاستعمار فحسب بل ويساهم فيها أيضًا أولئك الزّعماء بقسطٍ وافرٍ إذ قادوا الشّعب العربي إلى هذه المجازر التي لا تخدم إلاّ الاستعمار.
إنّ مدى إخلاص أولئك الزّعماء لأفراد الشّعب ظهر جليًّا حين تخلّوا عنهم أوقات المحن. إنّ نزوح الشّعب العربي عن حيفا وقضائها عن أرض آبائه وأجداده وتخلِّيه عن أملاكه وأرزاقه وأعماله لممّا يُسهِّل على الاستعمار تنفيذ مؤامراته ويساعد على ابتلاع مصالح العرب في هذه البلد. إنّ مصلحة عرب حيفا وعرب فلسطين تحتّم على سكّان حيفا العرب الرّجوع إلى مدينتهم إلى أعمالهم ومصالحهم، إنّ مصلحة العمّال العرب تقضي أن يعودوا ليحتلّوا المراكز التي كانوا يعملون فيها ويرتزقون منها فلا يفسحون المجال للمنظَّمات اليهوديّة المتطرِّفة لتنفيذ سياسة احتلال العمل والأرض. إنّنا نهيب بمن نزحوا عن حيفا وقضائها من العرب الرّجوع ليستمرّوا في نضالهم في سبيل وحدة فلسطين واستقلالها.
يجب أن لا ننخدع بتصريحات أولئك المأجورين الذين يستفيدون من مآسي الشّعب العربي وآلامه لتثبيت أقدامهم وأقدام المستعمرين. لن يُنقذ فلسطين خدّام الاستعمار وعملاؤه بل نضال سكّانها المباشِر في سبيل تحطيم قوى الاستعمار لأجل الحرِّيَّة والاستقلال والجلاء.
إنّ ذلك الاستعمار الذي ساعد القوّات اليهوديّة على احتلال حيفا وقضائها بمنعه عنها النّجدات العربيّة من الطّيرة والقرى المجاورة، ويسيطر في الوقت نفسه على حركات الجيش الأردني وسكناته، لن يسمح لهذا الجيش باحتلال حيفا، التي مكّن الوكالة اليهوديّة منها.
فلنقف أمام الاستعمار ومؤامراته وأعوانه ولنوجِّه ضربتنا إلى صميم المستعمِر البريطاني لأجل حرية فلسطين واستقلالها ووحدتها.
عصبة التّحرّر الوطني
ب) كيف وأينَ كُتِبَ "بيان إلى الشّعوب العربيّة" وكيف وصل إلى بلادنا؟
يكتب الرّفيق جمال موسى في كتاب أصدرته لجنة منطقة عكا للحزب الشّيوعي "كفاح الشّيوعيّين في ليل المآسي" صفحة 36:"كان الموعد في عزّ الصّيف من عام النكبة، وكان المكان غرفة ضيّقة في حارة شعبيّة مكتظّة بأهلها العاملين المجدّين ليل نهار سعيًا وراء لقمة العيال. المدينة: إحدى عواصم العالم العربيّ. الحرّ شديد ولكنّ القمع أشدّ. ولم يقوَ على شقّ عصا الطّاعة سوى الشّيوعيّين في فلسطين وفي العالم العربي كلّه مرخصين حياتهم. كعهدهم، في الدّفاع عن مصائر شعوبهم، فلم يكن من السّهل أن يصلوا إلى تلك الغرفة، فلمّا وصلوا لم يخرجوا منها منها، طول ثمانية أيّام، إلا بعد أن أنهوا مهمّتهم في نقاش مسؤول ما ارتفع فيه صوت عن أقصى الهمس ضمن أبواب ونوافذ مغلقة حتّى صاغوا الوثيقة التّاريخيّة.."
لقد كُتِبَ البيان بالحبر السّريّ وهرّب إلى بلادنا كما يذكر رفيقنا جمال موسى في نفس الكتاب صفحة 45: "عمد رفاقنا الشّيوعيّون اللبنانيّون إلى تأمين وصول بيان الأحزاب الشّيوعيّة الأربعة...إلى رفاقنا وحزبنا في حيفا وذلك عن طريقين..
الأوّل: سلّم إلى الرّفيقة نظلة خوري في بيروت ضمن أنبوب صغير يَسْهُلُ بلعه عند الحاجة وقد بلعته فعلاً وهكذا وصل إلى حيفا.
الثّاني: يقول الرّفيق رمزي خوري الذي كان في طريق عودته إلى البعنة، وكان ينزل في قرب "ساحة البرج" ودخل إلى غرفته شخص لم يعرفه، وقال للرّفيق رمزي، أنت مريض، وسنبعث إليك "بطبيب" لمعالجتكَ، وبالفعل أخذ هذا الطّبيب يزور رمزي يوميًّا..وبعد أسبوع من "المعالجة" زار رمزي للمرّة الأخيرة، وقال له أعطني حزام بنطلونك وخذ حزامي بدلاً منه، وبعد تبادل الحزامين، قال له عليك إيصال حزامي إلى رفاقك في فلسطين حالاً". وصل الرّفيق رمزي البلاد ووصل البيان حيفا وطُبعَ هناك ووزّع في بلادنا وفي الوطن العربي في نفس اليوم كما اتُّفِق..
ت) الحزب الشّيوعي العراقي
الحزب الشّيوعي السّوري
الحزب الشّيوعي اللبناني
عصبة التّحرّر الوطني في فلسطين
بيان إلى الشّعوب العربيّة
أوائل تشرين أول (أكتوبر) - 1948
يشدّد المستعمرون الانكليز والأمريكيّون هجومهم على الشّرق العربي، وهم وإن تزاحموا وتكالبوا على النّفط والأسواق القواعد العسكريّة، فإنّهم متّفقون على دعم النّظام الاستعماري وتوطيد النّير في أعماق الشّعوب العربيّة وخنق نضالها في سبيل التّحرّر الوطني والدّيمقراطيّة. أمّا الفئات الحاكمة الرّجعيّة الخائنة، فتزحف على الأربع أمام المستعمرين.
الأسباب الحقيقيّة للحرب الفلسطينيّة
وكانت الحرب الفلسطينيّة نتيجة مباشرة للتَّكالب بين انكلترا وأمريكا اللتين عمدتا لإثارة هذه الحرب بغية استغلالها لتسوية الحساب بينهما.
وبعد أن سالت الدِّماء البريئة أنهارًا، واتّفق اللصوص الانكليز والأميركيّون على اقتسام البترول والنّفوذ والأسواق في الشّرق الأدنى، وتبلور اتّفاقهم حول فلسطين في مشروع عميلهم برنادوت، الذي يقوم على التّقسيم ولكن كما أراده المستعمرون، فهو يقضي بمنع العرب من بناء دولة مستقلّة لهم في أراضي القسم العربي وبإلحاق هذه الأراضي بالمستعمرة البريطانيّة الأردنيّة وإخضاع مراكز النّفط في حيفا لإشراف بريطانيا وأمريكا المباشر، ثمّ تنسيق سيطرتهما المشتركة على فلسطين بتأليف "اتّحاد" في السّياسة الخارجيّة وشؤون الدّفاع بين الدّولة اليهوديّة و"المملكة الأردنيّة الكبرى".
وهكذا يدفن مبدأ الجلاء والاستقلال الذي نصّ عليه قرار الأمم المتّحدة ويتحقّق ما أراده الاستعمار من منع العرب واليهود من تأليف دولتين مستقلّتين، ويبقى في كلّ فلسطين نظام الاستعمار والاحتلال، والتّدخّل الأجنبي الذي يسمح للإنجليز والأمريكيّين بتشييد القواعد العسكريّة والمطارات وحشد القوّات المسلّحة ومدّ أنابيب البترول وبناء المصافي، كما يتحقّق للملك عبد الله صنيعة الاستعمار، تكبير "مملكته" تمهيدًا لمشروع سوريا الكبرى. ويحقّق للصّهيونيّين توسيع "مداهم الحيوي"، فيشمل فلسطين وشرق الأردن معًا، سعيًا وراء حلمهم الرّجعي القديم والفاشل، بجمع كلّ يهود العالم حول "ضفّتي الأردن".
خيانة الرّجعيّة العربيّة في قضيّة فلسطين
لقد كشفت الحرب الفلسطينيّة بصورة نهائيّة تامّة عن خيانة الحكّام الرّجعيّين في الدّول العربيّة وخضوعهم المطلق للاستعمار الأجنبي، فقد اتّضح بما لا يقبل الجدل أنّهم لم يعلنوا الحرب لمنع التّقسيم كما زعموا بل لتنفيذ التّقسيم كما تريده بريطانيا ولاستغلال حالة الحرب لأجل تثبيت حكمهم المزعزع وقمع الحركة الشّعبيّة الصّاعدة في كلّ بلد عربي وبيع الأقطار العربيّة جملة للاستعمار في ظلّ الإرهاب والأحكام العرفيّة.
لقد كان الحكّام الرّجعيّون عالمين بالمؤامرة المبيّتة من الانجليز والزّعماء الصّهيونيّين وصديقهم عبد الله، والرّامية لتمزيق القسم العربي من فلسطين وإلحاقه كلّه بمملكته، أو إلحاق معظم أجزائه، وتوزيع بعض الأجزاء الأخرى، ومنع عرب فلسطين من إقامة دولة مستقلّة لهم في أراضيهم. وقد بذل الحكّام الرّجعيّون جهدهم لتنفيذ المؤامرة، فدعوا إلى الثّقة ببريطانيا، جلادة العرب وناكثة كلّ عهد ووعد، ورفعوا عبد الله إلى مصاف الأبطال، وغطّوا خيانتهم بحملة رعناء من التّهويش والكذب والافتراء على الاتّحاد السّوفييتي وعلى الشّيوعيّين العرب الذين برهنت الحوادث أنّهم كانوا على حقّ وصواب.
نكبة عرب فلسطين وجميع الشّعوب العربيّة في الحرب الفلسطينيّة
إنّ الحرب الفلسطينيّة التي كانت هائلة على عرب فلسطين أدّت إلى خرابهم وتشريد مئات الألوف منهم وانتزاع أقسام جديدة من أراضيهم، كانت أيضًا نكبة عامّة على الشّعوب العربيّة عسكريًّا ودوليًّا واقتصاديًّا ووطنيًّا. فمن النّاحية العسكريّة حارب الحكّام الرّجعيّون بأمر الانجليز الذين قادوا الأعمال العسكريّة العربيّة قيادة مباشرة، ووجّهوها من البداية إلى النّهاية فأمروا القوّات العربيّة بالتّقدّم أو بالتّراجع وفقًا لأغراضهم وسياستهم ذات الوجهين دون أيّة مراعاة للضّرورات العسكريّة وخلافًا لأبسط القواعد الحربيّة، مستهترين بالضّبّاط والجنود العرب استهتارًا مجرمًا وخجلاً. وهكذا أذاق الحكّام الرّجعيّون الجيوش العربيّة أمرّ النّكبات وطعنوها من خلف خدمة للانجليز وتنفيذًا لأوامرهم.
ففي أعناق الحكّام الرّجعيّين الخونة دماء آلاف الجنود والشّباب العرب الذين قتلوا في سبيل مطامع الانجليز والأمريكيّين.
ومن النّاحية الدّوليّة أصاب المستعمرون وعملاؤهم سمعة العرب في العالم وسعوا إلى عزلهم عن الرّأي الدّيمقراطي العالمي وجرّوا الدّول العربيّة إلى سياسة عداء واستفزاز ضدّ الاتّحاد السّوفييتي وإلى إقامة العلاقات الودّيّة مع الفاشيست في اليونان ومع فرانكو جلاّد الشّعب الاسباني وجلاّد المرّاكشيّين العرب، المنبوذ من جميع شعوب الدّنيا.
ومن النّاحية الاقتصاديّة تفاقم العجز في موازنات الدّول العربيّة وزيدت الضّرائب على الجماهير الشّعبيّة وعمّ الكساد والضّيق، واستفحلت البطالة وتدهورت الصّناعات الوطنيّة، وزادت ضعفًا على ضعفها.
ومن النّاحية الوطنيّة كانت الأحكام العرفية وسيلة لقمع النّضال الشّعبي في الأقطار العربيّة وتمكين مراكز الاستعمار البريطاني في الأقطار العربيّة، وفتح طريق الاحتلال العسكريّ أمام أمريكا التي أخذت ترسل مدمّراتها إلى الشّواطئ العربيّة، وترسل جنودها وضبّاطها على فلسطين بحجّة مراقبة الهدنة. وفي ظلّ الأحكام العرفيّة زيّفت الانتخابات العراقيّة تمهيدًا لفرض المعاهدة الجديدة التي نبذها الشّعب العراقي بنضاله الباسل، وأطلقت يد الانجليز في السّودان، وبوشرت المفاوضات المصريّة البريطانيّة لتجديد معاهدة 1936، وتغلغل النّفوذ الأمريكي إلى قناة السّويس وتفاقم التّدخّل الانجليزيّ الأمريكيّ في سوريا ولبنان، وأصبح الاستقلال الذي حقّقه الشّعبان بدمائهما أثرًا بعد عين. أمّا المملكة السّعوديّة فقد تبيّن أنّها في يد الأمريكيّين مثل مملكة عبد الله في يد الانجليز: أداة ذليلة خانعة حقيرة لا تملك من أمرها شيئًا. وساهمت الرّجعيّة الصّهيونيّة أكبر مساهمة في جرائم الاستعمار ومؤامراته واستغلّت حرب فلسطين لتوطيد حكمها وللتّوسّع في القسم العربيّ وتبرير ارتمائها في أحضان الاستعمار الأمريكيّ، وفتح المجال الاقتصاديّ والعسكريّ في أراضي الدّولة اليهوديّة وفي كلّ فلسطين.
إنّ هذه النّكبات التي سبّبتها الحرب الفلسطينيّة سوف تزداد وطأتها إذا استمرّت حالة الحرب، كما يريد المستعمرون وعملاؤهم وأعوانهم. ولذلك تطالب الشّعوب العربيّة بوقف الأعمال الحربيّة في فلسطين نهائيًّا، وإعادة المشرّدين العرب إلى ديارهم، وإنقاذ الأراضي العربيّة في فلسطين من براثن الانجليز والأمريكيّين والصّهيونيّين وعبد الله وسحب قوّات الهجانا والقوّات الأردنيّة وجميع الجيوش منها، وإقامة دولة عربيّة مستقلّة.
الجامعة العربيّة أداة في يد الاستعمار
أكّدت الحرب الفلسطينيّة بما لا يقبل الجدل أن "جامعة الدّول العربيّة" إنّما هي أداة في يد الاستعمار، ووكر خيانات ودسائس ضدّ الشّعوب العربيّة وواجهة مزيّفة تخفي وراءها أبشع المنافسات الدّنيئة الحقيرة بين البيوتات الحاكمة والإقطاعيّات الرّجعيّة المتكالبة على نيل الحظوة لدى المستعمرين.
إنّ الجامعة العربيّة اتّخذت موقفًا سلبيًّا مخجلاً من انتفاضة العراق الرّائعة ضدّ معاهدة بورتسموث في حين أنّها أيّدت وحيّت معاهدة الإذلال والاحتلال الأردنيّة وسمّتها استقلالاً، ولم تفعل شيئًا لتأييد نضال الشّعب المصري ضدّ الاستعمار وأيّدت الأمريكيّين في استيلائهم على بترول المملكة السّعوديّة وعرقلت نضال جميع الشّعوب العربيّة في سبيل الجلاء والاستقلال، ثمّ توّجت خياناتها وجرائمها بتآمرها مع الاستعمار والصّهيونيّة ضدّ فلسطين الشّهيدة، وهي تبذل جهدها الآن لجرّ الأمّة العربيّة كلّها إلى تحالف عسكري مع الاستعمار الانجليزي والأمريكي.
وقد اتّضح لكلّ عربيّ مخلص أنّ الطّريق لجمع كلمة العرب في سبيل التّحرّر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال والسّير في طريق العزّة والقوّة والازدهار ليس طريق جامعة البشاوات والبكوات ولا طريق الزّعامات الإقطاعيّة الرّجعيّة البالية، بل هو طريق الاتّحاد الوطني والنّضال الشّعبي في كلّ قطر عربيّ، وطريق التّضامن الحقيقي الواسع بين الجماهير الشّعبيّة في كلّ الأقطار العربيّة، للنّضال العنيد ضدّ الاستعمار الانجليزي والأمريكيّ، وضدّ هذه الإقطاعيّة الرّجعيّة نفسها وفي سبيل الاستقلال والحرّيّة والدّيمقراطيّة الصّحيحة.
مشاريع الانجليز والأمريكيّين الحربيّة في الشّرق العربيّ
إنّ المستعمرين الانجليز والأمريكيّين، رغم ما بينهما من تزاحم وتكالب متّفقون على جمع كلّ أقطار الشّرق الأدنى من اليونان وتركيا وإيران على الشّرق العربيّ، في نظام استعماريّ وعسكريّ موحّد، وهم يجدون كلّ عون وتأييد من الزّعماء الصّهيونيّين الرّجعيّين ومن الحكّام الرّجعيّين العرب، الذين يعملون كلّ في ميدانه لتعميق هوّة العداء بين العرب واليهود وإقامة جوّ التّوتّر والمذابح بين الطّرفين، لصرف الأنظار عن نير الاستعمار ومشاريعه الحربيّة. إنّ إبقاء الجيوش العربيّة في فلسطين وتطويل حالة الحرب واستمرار الأحكام العرفيّة وتوحيد قيادتي الجيشين الأردني والعراقي تحت إشراف الضّبّاط الإنجليز والدّعوة إلى توحيد جميع القيادات العسكريّة العربيّة على نفس الشّكل، وعلى عقد تحالف عسكري بين الدّول العربيّة الخاضعة كلّها للنّفوذ الإنجليزي الأمريكي، وزيادة الإعتمادات الحربيّة وتعميم التّجنيد الإجباري، مع أنّ الطّعنة ألتي تلقّتها الجيوش العربيّة من خلف لا تزال تقطر دمًا، ثمّ ظهور نوري باشا السّعيد إلى الميدان بالدّعاية للفاشيست اليونان والسّعي للتّقرّب من الرّجعيّة التّركيّة السّفّاكة عدوّة العرب التّقليديّة التي اغتصبت لواء الإسكندرونة وقاومت جلاء الإنجليز عن مصر وحاربت وما زالت تحارب نضال العرب من أجل استقلالهم وحرّيتهم..كلّ ذلك ليس الغاية منه "حصر الخطر الصّهيوني" والمحافظة على القسم العربي من فلسطين، كان كذبًا وبهتانًا وتضليلاً بل الغاية منه أوّلاً: قمع الحركة الوطنيّة والدّيمقراطيّة التّقدميّة بين الجماهير الشّعبيّة ضدّ الاستعمار والرّجعيّة في جميع الأقطار العربيّة وثانيًا: تثبيت المراكز المزعزعة للرّجعيّات الإقطاعيّة الخائنة الحاكمة في الأقطار العربيّة، ثالثًا: خنق الحرّيّات الدّيمقراطيّة وإغراق الأقطار العربيّة في ظلمات أنظمة فاشيستيّة والعودة إلى ظلمات القرون الوسطى، رابعًا: زيادة الضّرائب على الجماهير العربيّة ودعم سياسة الاحتكار والنّهب، خامسًا: إضعاف الأقطار العربيّة اقتصاديًّا وذلك لفرض قروض أجنبيّة جديدة على البلاد العربيّة، سادسًا: توطيد استعمار بريطانيا وأمريكا في الشّرق العربي وتجديد معاهدات الاستعباد السّابقة (في مصر والعراق) وعقد معاهدات جديدة مع بقيّة الأقطار العربيّة، سابعًا: ربط الأقطار العربيّة بصورة مكينة نهائيّة بالمعسكر الاستعماري العالمي سياسيًّا واقتصاديًّا ودوليًّا، بل كل الشّرق العربي إلى ثكنة عسكريّة وقاعدة حربيّة يتصرّف الانجليز والأمريكيّون بخيراتها ونفطها ومياهها وإنتاجها ودماء شبابها وجنودها في الحرب العالميّة التي يهيّئونها ضدّ الاتّحاد السّوفييتي والدّيمقراطيّات الشّعبيّة في أوروبا الشّرقيّة، حرّيّة شعوب الدّنيا بأسرها. وهكذا يجعلون أوطاننا ساحات قتال طاحن يفرضون على الشّعوب العربيّة أقسى ويلات الحرب وفظاعاتها فتهدم بيوتنا وتدمّر مدننا وتنسف معاملنا ومتاجرنا وتحرق حقولنا وبساتيننا وتذهب نساؤنا وأطفالنا وشيوخنا وشبابنا طعامًا لنيران المدافع والقنابل وتغدو هذه الدّيار العربيّة الطّامحة إلى الاستقلال والحرّيّة والسّلام بلقعًا موحشًا وأطلالاً تنعق فوقها البوم والغربان..لكنّ الشّعوب العربيّة التي تكره الحرب والاستعمار وتريد السّلام والحرّيّة والاستقلال والتّقدّم، لن تقع في شباك المستعمرين، وتنجرّ وراء مغامراتهم الحربيّة ولن تقبل أن تكون كنوزها وخيراتها وبترولها ومعادنها ومواردها ودماء أبنائها نهبًا للمستعمرين. وهي تعلم أنّ مصلحتها تقضي عليها بأن تكون في معسكر السّلام والحرّيّة والدّيمقراطيّة، معسكر أعداء الحرب والاستعمار لا معسكر الاستعماريّين الذين يريدون تخليد الاستعباد في أعناق الشّعوب العربيّة ثمّ إبادتها في حروبهم المجرمة.
الاستعمار الأجنبي وحليفته الإقطاعيّة هما سبب تأخّر الأقطار العربيّة وبؤس شعوبها
أيّها الإخوان والأخوات، أيّها العمّال والفلاّحون والمثقّفون الأحرار، أيّها الطلاّب والمعلّمون، أيّها التّجّار الصّغار والمنتجون الكادحون، أيّها الوطنيّون المخلصون في جميع الأقطار العربيّة: إنّ الاستعمار الأجنبي العسكري والاقتصادي والسّياسي يخنق أوطاننا العربيّة فهو السّبب الرّئيسي الذي يمنع تطوّرها الصّناعي والزّراعي والاجتماعي، وهو المسؤول الرّئيسي لتدهور أموالها الاقتصاديّة ولما تقاسيه شعوبنا من بؤس وفقر وحرمان.
إنّ الاستعمار الانجليزي والأمريكي، بالاستناد إلى حليفته الإقطاعيّة الرّجعيّة يهيمن على حياتنا السّياسيّة والعسكريّة وينهب مرافقنا وكنوزنا وخيراتنا جميعًا. فالقوّات الإنجليزيّة تجعل العراق ومصر وشرق الأردن، والضّبّاط الإنجليز يسيطرون على قيادات الجيوش العراقيّة والأردنيّة والمصريّة، والخبراء الإنجليز والأمريكيّون يسيطرون على الجيش اللبناني والسّوري، وعلى الجيش السّعودي ومطارات وامتيازات وقواعد في كلّ قطر عربي، وشركات البترول الأمريكيّة والإنجليزيّة تستعبد الجزيرة العربيّة وتهيمن على زيت العراق والكويت وتمدّ أنابيبها عبر سوريا وفلسطين ولبنان ومصر، والرّأسمال الأجنبي الإنجليزي والأمريكي يسيطر على أهمّ مرافق الأقطار العربيّة من النّقد إلى سكك الحديد والكهرباء على المجال الجوّي والبرّي والمائي والخبراء الإنجليز والأمريكيّون متغلغلون في الإدارات في جميع العواصم العربيّة، والبضاعة الأجنبيّة، خصوصًا الأمريكيّة تطغى وتسيطر وتقتل صناعتنا الوطنيّة والحرفيّة، وتلقي بألوف الشّباب والعمّال في مهاوي البطالة. إنّ عشرات الملايين من الفلاّحين العرب محرومون من الأرض ويعيشون عيشة غير لائقة بالإنسان تحت نير الإقطاعيّين البرابرة وكبار الملاكين شركاء الاستعمار وخدّامه. فالمرارة والحرمان والمرض والجهل تسحق القرى والأرياف والأحياء الشّعبيّة في المدن، لا مدارس ولا طرقات ولا صحّة ولا بيوت صالحة للسّكن ولا ريّ ولا نور ولا مياه صالحة للشّرب، وليس بين أربعين مليونًا من سكّان الشّرق العربي من هو راضٍ عن الحالة سوى حفنة ضئيلة من الحكام والإقطاعيّين وكبار المحتكرين الذين يغتنون ويثرون ويشاركون الاستعمار في التّحكّم والسّرقة والنّهب.
تلك هي في ظلّ الاستعمار والإقطاعيّة حالة شعوب يحمل تاريخها إبن سيناء وابن رشد والفارابي وابن خلدون، تلك هي حالة ملايين العرب في العراق موطن الرّشيد وسوريا موطن إبي العلاء والمتنبّي وفلسطين موطن صلاح الدّين ولبنان موطن الرّيحاني وعمر فاخوري ومصر وريثة أكبر مدنيّة في التّاريخ الإنساني.
لكنّ شعوبًا تحمل تاريخها هذا التّراث الفكري والإنساني العظيم لن تبقى فريسة الحكم الأجنبي والتّحكّم الإقطاعي المظلم.
معسكر الاستعمار العالمي يتقهقر بينما معسكر الحرّيّة والدّيمقراطيّة في العالم يتقدّم
إنّ عجلة التّاريخ تسير إلى أمام، فقد خرج الاستعمار العالمي من الحرب العالميّة متضعضع القوى مزعزع الأسس. فانهارت قوّتان استعماريّتان كبيرتان هما ألمانيا واليابان، وتضاءل الاستعمار الفرنسي والإيطالي وتزعزعت الإمبراطوريّة البريطانيّة تتفسّخ اليوم وتنهار تحت أنظار الجميع. أمّا الولايات المتّحدة الأمريكيّة التي لم تقاس من الحرب وكدس طغاة المال والاحتكار فيها أرباحًا وقوى يطمعون بواسطتها إلى الإطلال على العالم، فالأزمة الاقتصاديّة المرعبة تقرع أبوابها وتصطدم مشاريعها في أوروبا وآسيا بمقاومة الشّعوب الجبّارة.
أمّا معسكر الحرّيّة والدّيمقراطيّة، معسكر النّضال ضدّ الاستعمار فقد خرج من الحرب أكثر بأسًا من معسكر الاستعمار وقوّته تنمو وتتعاظم يومًا بعد يوم. فالاتّحاد السّوفييتي العظيم موطن الاشتراكيّة وعدو الاستعمار اللدود وأكبر نصير للشّعوب في سبيل حرّيّتها قد خرج من الحرب أقوى وأعظم ممّا كان، وبينما العالم الرّأسمالي فرح بأزمات البطالة والاضطرابات والثّورات وتنزل فيه أجور العمل وينخفض مستوى معيشة الجماهير، يبني الاتّحاد السّوفييتي إقتصاديّاته بنجاح وسرعة وقد تجاوز فيه الإنتاج مستوى ما قبل الحرب، رغم هول التّخريب الذي أصابه خلال الحرب، وزادت أجور العمّال خمسين بالمائة بينما ارتفع نفوذ الاتّحاد السّوفييتي في العالم وأصبح الآن أقوى دولة في الدّنيا عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا ودبلوماسيًّا وهو يحبط استفزازات الأمريكيّين والانجليز في ألمانيا وغيرها، بحزم الجبّار الواثق من قوّته.
وقد تحطّم الطّوق الاستعماري في أوروبا الوسطى الشّرقيّة وخرجت منه شعوب تحرّرت من النّير الأجنبي والإقطاعي وسارت في طريق الدّيمقراطيّة الشّعبيّة تحثّ الخطى نحو النّظام الاشتراكي.
وفي إيطاليا وفرنسا يقاوم العمّال ببسالة تحت قيادة الشّيوعيّين مشاريع التّوسّع الأمريكي. وفي الصّين العظيمة يقوم مائتا مليون إنسان بحرب وطنيّة عظمى لا هوادة فيها ضدّ الاستعمار تحت لواء الشّيوعيّين الصّينيّين قادة التّحرّر الوطني، وهم يواصلون انتصاراتهم الرّائعة يومًا بعد يوم ويحرّرون وطنهم من المستعمرين الأمريكيّين وخدمهم الإقطاعيّين الصّينيّين الخونة ويشيّدون لأنفسهم وطنًا جديدًا حرًّا قائمًا على قواعد راسخة من الاستقلال والحرّيّة والدّيمقراطيّة. وفي إندونيسيا المناضلة والباسلة اتّحدت جميع الأحزاب الوطنيّة في جبهة كبرى طليعتها الشّيوعيّين والتفّ حولها ملايين من الجماهير الشّعبيّة وهي تواصل النّضال المسلّح الظّافر لإكمال تحرير إندونيسيا من الاحتلال الهولندي والاستعمار الانجليزي والأمريكي ولتحقيق الاستقلال والسّيادة والسّير في طريق الدّيمقراطيّة الصّحيحة. وفي الهند الصّينيّة والملايو وبورما يحمل عشرات ومئات الألوف من الوطنيّين العمّال والفلاّحين تحت قيادة الشّيوعيّين وسائر الوطنيّين المخلصين في سبيل تحرير أوطانهم من الاستعمار والاحتلال الأجنبي وتحقيق الدّيمقراطيّة. ويقوم الشّعب اليوناني بأبسل ثورة وطنيّة ديمقراطيّة ضدّ الاستعمار الأمريكي والبريطاني وخدمه الملكيّين الفاشيّين. وأفريقيا السّوداء تتحرّك ويقضّ ذلك مضاجع المستعمرين. وفي أمريكا تتّسع الحركة الشّعبيّة التّقدميّة ضدّ سياسة الاستعمار والحرب.
لقد انهارت حملة التّهويش والافتراء على الاتّحاد السّوفييتي التي أثارها المستعمرون وعملاؤهم بأمل إبعاد الشّعوب العربيّة عن حليفها الطّبيعي في نضالها ضدّ الاستعمار والرّجعيّة. فالعرب يرون أنّ الاتّحاد السّوفييتي هو الذي أيّد نضال سوريا ولبنان في سبيل الجلاء وهو الذي أيّد انتفاضة العراق ضدّ معاهدة جبر-بيفن ونضال مصر ضدّ معاهدة صدقي-بيفن وهو الذي يؤيّد اليوم نضال شعوب مصر والعراق وشرق الأردن لأجل الجلاء وإلغاء المعاهدات الاستعماريّة، والنّضال السوري واللبناني ضدّ مشروع سوريا الكبرى وهو الذي دافع عن حقّ الفلسطينيّين في الجلاء والاستقلال وقد كان من أنصار وحدة فلسطين على أساس الجلاء والاستقلال، كما صرّح ممثّلوه رسميًّا في هيئة الأمم المتّحِدة لأنّ من مبادئه الإخاء والتّعاون والتّقارب بين القوميّات والشّعوب بدليل أنّ ستّين قوميّة مختلفة تعيش بتعاون وإخاء في الاتّحاد السّوفييتي. ولكنّه أيّد قيام دولتين مستقلّتين في فلسطين نظرًا للتّوتّر الشّديد في العلاقات بين اليهود والعرب بسبب ما أورثته سياسة الاستعمار البريطاني من عداء متحكّم بين الفرقين بمساعدة الرّجعيّين العرب والصّهيونيّين. ويتبيّن اليوم كم كان الاتّحاد السّوفييتي على حقّ ويتّضح أنّه أراد بموقفه الصّريح تجنيب عرب فلسطين والشّعوب العربيّة نتائج المؤامرة التي دبّرها الانجليز والأمريكان ضدّ فلسطين بمعونة عملائهم الحكّام الرّجعيّين العرب والزّعماء الرّجعيّين الصّهيونيّين. إنّ العمّال والفلاّحين والمثقّفين والمتحرّرين العرب يتتبّعون بشوق أنباء انتصارات الشّعوب السّوفييتيّة في توطيد النّظام الاشتراكي الذي لا يستثمر فيه إنسان إنسانًا ولا يستعبد شعب شعبًا، إنّ العرب الذين قاسوا أو يقاسون المصائب من نير الاستعمار يرون بالتّجربة أنّ الاتّحاد السّوفييتي هو نصيرهم الثّابت الأمين في نضالهم لأجل الاستقلال والحرّيّة.
إلى الاتّحاد الوطني، إلى التّضامن العربي
إنّ الأحكام العرفيّة وإلقاء الألوف من الوطنيّين العرب نساءً ورجالاً في السّجون وجزائهم الضّرب والتّعذيب الوحشي كلّها لم تفلّ من عزيمة الشّعوب العربيّة. فموجة النّضال الشّعبي ترتفع في كلّ قطر عربي، وفلسطين الشّهيدة يتظاهر العرب هاتفين بسقوط عبد الله وأسياده المستعمرين، وينضمّ الجنود العرب إلى الشّعب المتظاهر. وفي كلّ عاصمة عربيّة يتعاظم نضال العمّال وفي القرى العربيّة تتفتّح عيون الفلاّحين فيهبّون في وجه استبداد الإقطاعيّين. أيّتها الجماهير العربيّة: إنّ الأحزاب الشّيوعيّة في العراق وسوريا ولبنان وعصبة التّحرّر الوطني قي فلسطين هذه الهيئات الشّعبيّة التي برزت من قلب الشّعوب العربيّة التي برهنت الحوادث إخلاصها وصواب سياستها وثباتها في النّضال الوطني من أجل الحرّيّة والدّفاع عن خبز الجماهير ومطالبها تتوجّه إليكم في هذه الظّروف الدّقيقة وتدعوكم إلى جمع الصّفوف في كلّ قطر عربي في جبهة شعبيّة تضمّ جميع القوى الوطنيّة والدّيمقراطيّة ضدّ الاستعمار وعملائه الرّجعيّين في سبيل الجلاء عن كلّ الشّرق العربي وفي سبيل الاستقلال والدّيمقراطيّة فلنتضامن ضدّ التّكتّلات الحربيّة التي يراد فرضها علينا إلى الاتّحاد الوطني، إلى التّضامن العربي في سبيل:
1. وقف الأعمال الحربيّة نهائيًّا في فلسطين وإعادة اللاجئين إلى ديارهم وسحب القوّات الصّهيونيّة وجيوش عبد الله وكلّ القوّات العسكريّة من الأراضي العربيّة في فلسطين.
2. إقامة دولة عربيّة مستقلّة في القسم العربي ومنع تمزيقه وإلحاقه كلِّيًّا أو جزئيًّا بأيّ شكل كان.
3. الجلاء العسكري والمدني التّام عن مصر والعراق وشرق الأردن وإلغاء المعاهدات التي تقيّد هذه الأقطار.
4. إلغاء إمتيازات البترول في جميع البلاد العربيّة.
5. إسترجاع استقلال سوريا ولبنان الذي باعه الحكّام الرّجعيّون للإنجليز والأمريكيّين ومكافحة مشروع سوريا الكبرى الذي يوطّد أقدام الاستعمار في الشّرق العربي.
6. الكفّ عن سياسة الاستفزاز والعداء نحو الاتّحاد السّوفييتي وتعزيز الصّداقة والتّعاون السّياسي والاقتصادي ومع الدّول الاشتراكيّة الكبرى
7. مكافحة مشروع الكتلة الشّرقيّة وإحباطه ورفض كلّ محالفة مع الرّجعيّة التّركيّة وتأييد الشّعب السّوري في لواء الاسكندرونة.
8. إلغاء الأحكام العرفيّة في كلّ الأقطار العربيّة والقضاء على أساليب الإرهاب الفاشيستي وتحرير جميع المعتقلين الوطنيّين العرب واحترام الحريّات الدّيمقراطيّة والنّقابيّة.
9. محاربة النّعرات الطّائفيّة والعنصريّة التي يثيرها الاستعمار وعملاؤه لتفريق الصّفوف.
عاش التّضامن العربي ضدّ الاستعمار وعملائه في سبيل الجلاء والاستقلال والدّيمقراطيّة.
عاش التّضامن بين الشّعوب العربيّة وجميع القوى الدّيمقراطيّة وفي رأسها الاتّحاد السّوفييتي
في النّضال ضدّ الاستعمار لأجل السّلام والاستقلال. وليرتعش المستعمرون وعملاؤهم الرّجعيّون أمام يقظة الجماهير العربيّة وتضامنها في النّضال العظيم لأجل الاستقلال والكرامة والشّرف.
--------------
* المصدر: د. خالد تركي, حماة الديار, حقائق وحكية, حيفا, 2011.
|