מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

إنتفاضة يناير 1977: قياضات "التجمع"

 تتفق أن تكرارها لن يكون بنفس السيناريو*

 

تأتي ثورة «الياسمين» في تونس متزامنة مع الذكري الـ 34 لانتفاضة يناير 1977 في مصر والتي أقامت لها لجنة الحريات بحزب «التجمع» برئاسة حمدي الأسيوطي ندوة (عقدت في 26 يناير 2011) لمناقشة الظروف المتشابهة حاليا مع تلك التي أدت للانتفاضة بل زادت حدة الظروف ومع ذلك يبقي السؤال لماذا لم ينتفض الشعب مرة أخري؟! يري دكتور «رفعت السعيد» رئيس الحزب أنه وعلي مدار التاريخ لم يستطع أحد في الماضي أو الحاضر أن يعرف ويضبط مواقيت تحرك الشعب ضاربا مثالا علي ذلك في عهد «محمد علي» عندما رفض ترقية الضباط من أبناء الفلاحين وبعد ذلك بفترة ليست طويلة قامت ثورة عرابي بالإضافة إلي مقولة «سعد زغلول» وهو في طريقه للمنفي «يبدو أن ثمة شيئا ما سيحدث» وفعلا قامت ثورة 1919 وهكذا كان التحرك دائما مفاجئا.

وأضاف «السعيد» أن انتفاضة يناير 1977 والتي اتهم وقتها الرئيس «السادات» حزب التجمع بأنه المحرك لها والمخطط الأول كانت شرفا لا ينكره أحد رغم أن الحزب وقتها كان حديثا وفي بداياته.

ويضيف «السعيد» أن هذه الانتفاضة لم تنجح بالشكل المطلوب حيث استطاع «السادات» أن يستثمرها فيما بعد لإصدار كم من التشريعات المستبدة والقوانين التي مازالت تستوجب التغيير ومع ذلك فقد لعب أعضاء التجمع دورا قياديا في أحداث يناير 77 بمساندة الشعب في استمرار تظاهرهم وعدم التراجع حتي حاصرت الدبابات الشوارع وتراجع الحكم عن رفع الأسعار فانسحب المتظاهرون دون أي تصادم مع الأمن فقط بسبب أن احترام الشعب كان مازال قائما للجيش المصري.


ضربات قاسية

وأشار «السعيد» إلي الثمن الباهظ الذي دفعه الحزب في تلك الأحداث والضربات القاسية التي وجهت إليه حيث تم القبض علي حوالي 2000 مواطن بينهم 400 من أعضاء التجمع وكان القمع عنيفا ومباشرا لمؤسسات الحزب باعتبار أن «التجمع» هو العدو الأول للسادات وقتها وهو ما انعكس علي تحالفاته مع الإخوان الذين هاجموا الانتفاضة منذ لحظاتها الأولي بل تباهوا بعدم المشاركة فيها باعتبارها عملا يساريا!

 


أحداث تونس

ويؤكد «السعيد» أن الظروف متشابهة بين مصر وتونس وأن الباعث للتحرك الجماهيري من ارتفاع الأسعار والبطالة واحد ورغم ذلك فالنتائج ليست واحدة بينهما حيث إن استمرارية الأحداث في تونس ستكون محسوبة بطريقة غير التي ستحسبها بها مصر في حالة حدوث نفس الانتفاضة حيث إنني أعتقد أن هناك توجها في الجيش التونسي يستهدف الاستيلاء علي السلطة عبر تعقيد الوضع وعبر استمرار التحركات الشعبوية كذلك ألمح هناك إصبعا إخوانيا وربما يتحالف الطرفان معا الجيش والإخوان أما في مصر فالظروف مختلفة.


الوضع الآن

ورغم الكم الهائل من الرفض والغضب الكامن داخل الشعب المصري والذي أصبح غير محتمل لكن «السعيد» يري أن الكبار جاهزون للفرار في حالة حدوث أي شيء فالنظام يبتسم ويظهر طمأنينة زائفة تجاه هذا الغضب وحتي وإن كان الأمر يبدو هادئا، ومع ذلك من المنتظر حدوث المفاجأة للتحرك باعتباره أمرا واردا بحكم التاريخ ورؤية الحاضر والمستقبل.

صعب تكرار

وعن الجوانب السياسية التي عاصرت انتفاضة يناير 77 ومدي اختلافها عن الوقت الحالي يقول «حسين عبدالرازق» عضو المجلس الرئاسي للحزب إنه من الصعب تكرار الانتفاضة مرة أخري وهذا لا يعني عدم التوقع لسيناريو آخر يمكن حدوثه حيث إن السبب المباشر لانتفاضة 1977 هو استمرار المسئولين وقتها في التأكيد علي عدم وجود أي إجراءات لرفع الأسعار وأن الرخاء قادم ثم جاء القرار فجأة مساء يوم 17 يناير من خلال بيان ألقاه وزير الاقتصاد وتضمنت الميزانية ارتفاعا لأسعار جميع السلع والخدمات الأساسية بأشكال إجرائية مختلفة مما أدي لثورة الشعب وغضبه وحدثت اشتباكات أثناء محاولات تطبيق القرارحتي قامت الانتفاضة وليدة المصادفة.

وأضاف «عبدالرازق» أن هناك أسبابا أخري ساهمت في حدوث الانتفاضة منها انتخابات تكوين المنابر وانتخابات مجلس الشعب 1976 والتي شهدت حرية نسبية في عقد الندوات والمؤتمرات بالشوارع وهو ما يعني وجود فرصة للقاء الجماهير والالتحام بها في كل مكان وهو الوضع الذي سبقه في السبعينيات اتجاه من الشعب المصري للتنظيم المستقل من خلال سلسلة طويلة من الإضرابات بالمحلة الكبري وكفر الدوار قادتها اللجان النقابية ومن لديه وعي سياسي وقتها وهو ما عكس اتجاه الطبقة العاملة للتنظيم حتي في الأرياف بالإضافة إلي تكوين المنابر والتي ضمت حزب التجمع وانضم إليها شيوعيون ولذلك لم يكن مفاجأة أن من كان يقود الانتفاضة في بدايتها من حزب «التجمع» أو التنظيمات الماركسية أو الشباب الناصري بالجامعات. 

ويشير عبدالرازق إلي أن أحداث الانتفاضة سبقها عدد من التحركات شملت شركة مصر حلوان للغزل والنسيج بالقاهرة وأعضاء الحزب حيث كانت اللجنة النقابية وقتها بالكامل تجمعية بالإضافة إلي تحرك آخر بالإسكندرية في الترسانة البحرية من خلال حزب العمال الشيوعي أما التحرك الثالث فكان بجامعة القاهرة من قيادات ناديي الفكر الناصري والاشتراكي وهو الوضع الذي سبق الانتفاضة مما جعل القائمين علي الحكم يعون الدرس جيدا فلم يسمحوا مرة أخري لهذه التحركات بالإضافة إلي التدرج في اتخاذ القرارات والإعلان عنها خطوة بخطوة حتي لا يصدم الشعب ويتولد عنه رد فعل غير متوقع!
لذلك لم تتكرر الانتفاضة مرة أخري في مصر بنفس السيناريو علي الأقل بعد ما حاصرت الحكومة الأحزاب وقمعت تحركاتها واتصالها بالجماهير واستطاعت تفكيك الكتل العمالية الكبري وإصدار مجموعة من القوانين المقيدة للحريات ورغم ذلك فإن وضعا كهذا لا يصادر إمكانية انتفاضة الشعب وقدرته علي خلق قياداته الجماهيرية في أي ظرف ولكن لسيناريو مختلف عن 1977.


أوجه تشابه واختلاف

بينما رأي «نبيل زكي» أمين الشئون السياسية بالحزب والمتحدث الرسمي باسمه أن هناك وجه تشابه بين التحرك الجماهيري بالشارع التونسي في ظل سلطة منهارة وأمن عاجز وجماهير غاضبة ولذلك فدائما يأتي التحرك الشعبي بشكل مفاجئ وعفوي وبلا قيادة وهو ما يشكل خطورة تتمثل في عدم تحقيق النتائج التي تريدها الجماهير بل يمكن أن تأتي بنتائج مغايرة تماما حيث قد يكون هناك محاولات من عناصر موجهة من الدولة للاستيلاء علي الحركة بل قد تتحول الانتفاضة لعمليات تخريب مرفوضة، ومع ذلك يؤكد «زكي» أن هناك ثلاثة أوجه تشابه بين مصر وتونس فيما يخص الأحداث الأخيرة منها انهيار مستوي المعيشة والبطالة والاستبداد السياسي والفساد علاوة علي فشل النظام الحاكم في الحفاظ علي الوحدة الوطنية وعجزه الكامل عن اتخاذ أي خطوة للحفاظ علي هذا التماسك ورفض إصدار أي قانون يجرم هذا التمييز الحادث.
وما حدث فقط هو أن النظام دخل في تسابق مع المتطرفين حول من هو الأكثر تطرفا فيهم ولذلك أصبحنا في حاجة ملحة إلي حزب يساري شعبي جماهيري له قواعد وركائز جماهيرية في كل نقابات مصر ليكون جاهزا عندما ينتفض الشعب حتي يقود الانتفاضة ويلعب دور المحرك الرئيسي ويوجهها لأهدافها الحقيقية حتي لا تجهض الانتفاضة لحظة حدوثها.


دور نسائي

وشهدت انتفاضة يناير 1977 دورا واضحا لبعض نساء الحزب من اللاتي تعلمن المشاركة الفعلية في الأحداث حيث تقول «عظيمة الحسيني» إن التنسيق بين أسر من تم إلقاء القبض عليهم في الأحداث كان أولي خطوات المشاركة بالإضافة إلي خطوات أخري من التنسيق بينهم وبين أعضاء مجالس الشعب في كل دائرة وقتها للوقوف علي إجراءات زيارة المسجونين والحصول علي الرسائل المطلوبة منهم لذويهم وتوصيلها. 

أما دكتور «زهدي الشامي» عضو أمانة محافظة البحيرة فيري أن هذا الحدث التاريخي لم يأت من فراغ ولكن من خلال قناعات بالتغيير لدي أصحابها في ذلك الوقت والتي من الصعب تكرارها بسبب التحول الجذري في المستوي الاقتصادي مؤخرا وظهور ما يعرف بـ «المديونية الخارجية»، الأمر الذي أصبح يتطلب إجراءات تقشفية جديدة في مصر لإعادة توزيع الدخل بين طبقات المجتمع المختلفة.

أما «محمد فرج» الأمين العام المساعد للتثقيف فيري أن الجماهير تتحرك في الانتفاضة عفويا لأنها كانت معبأة بعيدا عن الأحزاب والقيادات التي ساندتهم فيما بعد. ويضيف أن روح الحل الفردي التي تمت في الشعب المصري أصبحت عائقا لتكرارما حدث خاصة بعدما اختلفت الحركة السياسية أيضا عنها في عام 1977.

فيما يتفق معه «هاني الحسيني» عضو المكتب الاقتصادي للحزب في أن المجتمع المصري أصبح في حاجة لمثل هذه الحركات الاجتماعية لإحداث التغيير وتصحيح الأوضاع خاصة في حالة تماسك الطبقة الوسطي التي هي أساس أي تحرك من خلال النقابات المهنية.

أما دكتور «محمد رفعت» عضو أمانة القاهرة فيقول إن أشكال الاحتفال الكثيرة في المجتمع المصري منذ بداية العشرينيات والفوارق الطبقية الناتجة عنها بالإضافة إلي الأزمة الرأسمالية الحالية جميعها عوامل قد تعوق أي انتفاضة قريبة حتي في ظل تشابه الظرف الموضوعي بين مصر وتونس فيما يخص الأحداث الأخيرة حيث أصبح هناك ديكتاتورية غير مسبوقة في الدول العربية ومع ذلك يري «رفعت» أن ما يحدث في مصر لا يدعو لليأس فهي دولة ذات تاريخ تراكمي خطير لا يمكن أن ينسي!

وقال د. أحمد عبدالوهاب نائب أمين الحزب بالقاهرة إنه لا يوجد من يستطيع أن يفسر تلك التراكمات فالكل يحاول تفسير أسباب ما حدث في تونس بعد حدوثه ولكن هل توقع أي من هؤلاء المحللين الثورة قبل حدوثها؟! ورغم تشابه الظروف لكن تكرارها بنفس الشكل في مصر غير وارد، واتفق «عبدالوهاب» مع «محمد رفعت» فيما يخص الإطار الرأسمالي وما يفرضه من أعباء علي الفقراء، بينما عقب «زهدي الشامي» علي ما أثاره «أحمد عبدالوهاب» من وجود أفق يمكن من خلاله تطوير الثورة في المستقبل حيث رأي «زهدي» إنها فكرة تحتاج للنقاش وتتعلق بتوازنات المنطقة ورفض أيضا ما ذكره «الحسيني» عن أطروحة الطبقة الوسطي وربطها بالانتفاضة الشعبية لأن الحديث عن وجود تحالفات كبري يتنافي وتلك الانتفاضة التي تبدأ دائما بالمهمشين والبسطاء!!

--------------

* المصدر: جريدة الأهالي, القاهرة, يصدرها حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي – www.al-ahaly.com - 7.2.2011.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تغيرات جوهرية 

 

فهم الدرس 

 

 

2/7/2011