الولجة, الضفة الغربية المحتلة:
"الحيوانات في حديقة الحيوان لديها
أقفاص أكبر من تلك التي يضعون عائلتنا فيها"*
لقد بدأت أعمال الإنشاءات بالفعل بالشق الطويل في التلة المكشوفة والذي تمكن رؤيته لأميال. وبالنسبة لعمر حجاج وعائلته، فإن الأرض الجرداء تعد إشارة لمستقبلهم غير المضمون.
يعيش عمر مع زوجته وأطفاله الثلاثة في قرية الولجة التي تقع إلى الجنوب من القدس في الضفة الغربية المحتلة. ويقع منزلهم على حافة القرية على الجانب "الخاطئ" من الطريق المخطط له للجدار العازل في الضفة الغربية والذي سيجعل القرية بأكملها محاطة بمباني مستوطنة غوش إيتزيون. وقد قامت الجرافات بالفعل بتسوية الأرض التي تقع أمام المنزل وذلك من أجل إفساح الطريق لإنشاء الجدار والطريق المخصص للدوريات.
ولغايات ربط منزل عمر بالقرية، تقترح السلطات الإسرائيلية إحاطة المنزل بسياج كهربائي بارتفاع أربعة أمتار، الأمر الذي سيحيل منزله إلى منطقة مغلقة بداخل منطقة مغلقة.
لا سبيل للعبور
"سنعيش داخل مساحة لا تتجاوز 400 متر مربع"، يقول عمر مضيفا بأن "الحيوانات في حديقة الحيوان لديها أقفاص أكبر من تلك التي يضعون عائلتنا فيها".
ولن يكون لديهم سبيل للوصول المباشر للأرض التي تبلغ مساحتها 18 دونما والتي تحيط بمنزلهم، ولم تتضح بعد الكيفية التي سيتمكنون من خلالها بالوصول إلى الجانب الفلسطيني من الجدار. إن الأحتمال الأقوى هو أن ذلك سيكون من خلال سلسلة من البوابات التي تتم إدارتها من بعد بواسطة الجيش: حيث سيتم نصب بوابتين بين منزل عمر وبين الجانب الفلسطيني من الجدار، وبوابيتين ثانيتين على طريق الدورية، وذلك لضمان عدم مسير عمر على ذلك الطريق.

مستقبل مجهول
يقول عمر أن همه الأساسي يكمن في أن "المستقبل ليس مضمونا". من الذي سيقوم بفتح البوابات؟ وهل سيقومون بفتحها في الوقت المناسب لكي يذهب أطفاله إلى المدرسة؟ هل سيتمكن أطفاله من الخروج وزيارة أقاربهم؟ ما هي الكيفية التي ستكون الأمور عليها؟
وحال اكتمال بناءه، فإن الجدار سيعمل على سد طريق أطفاله إلى مدرستهم، الأمر الذي سيجعل من رحلتهم للمدرسة والتي تبلغ مسافتها كيلومترين إثنين إلى رحلة تبلغ ستة كيلومترات في طريق شديد الانحدار مرورا من أمام قاعدة عسكرية إسرائيلية.
ومنذ بدأت أعمال الإنشاءات في الربيع الماضي، أصبحت العائلة تشعر بالانعزال بشكل متزايد. ويقول عمر: "اعتدنا أن نستقبل الكثير من الأصدقاء والأقارب هنا، إلا أنه ومنذ وجود الجدار انخفضت تلك الزيارات بمعدل 90%".
ويشعر أطفاله الكبار الإثنان بالقلق بالفعل حيال المستقبل. "صادف عيد ميلاد ابني الأسبوع الماضي، وسألني ولدي كيف سيقوم أصدقائي بزيارتي"، يقول عمر مضيفا "أجبته بأن لا يشعر بالقلق وبأننا سنتخذ كل ما يلزم لجلب أصدقائه إلى المنزل. إن هذه هي حياتك وعليك أن تعتاد عليها، إلا أنها ليست مقبولة".
"لا يخرج الأطفال كثيرا إلى الخارج؛ ليس هناك مكان ليذهبوا إليه أو أماكن ليلعبوا فيها. إنهم فقط يبقون إلى جانب المنزل".
محاصرون
للأسف، فإن قصة عمر ليست فريدة من نوعها. ففي قرية مسحة الواقعة شمال الضفة الغربية، عمل الجدار على محاصرة منيرة أحمر وعائلتها بداخل جيبهم الخاص منذ ما يقارب من ثماني سنوات.
يقع المنزل على بعد عدة أمتار فقط من المستوطنة الإسرائيلية إيلقانا. وهو محاط بالكامل بسياج وبنظام مؤلف من بوابتين توفر لهم سبيل الوصول إلى مسحة. إن الجزء الذي يقع مباشرة أمام المنزل مصنوع من ألواح طويلة من الخرسانة مما يحجب رؤية منيرة للقرية التي تدعوها بالوطن.
"في السنة الأولى، وعندما كان الأطفال يعودون من المدرسة، كانوا يضطرون للانتظار خارج السياج إلى أن يحضر الجنود ويقوموا بفتحه"، تقول منيرة مضيفة "كان أصغر أطفالي في الثالثة فقط من العمر عندما تم بناء الجدار؛ لم يكن يرغب أبدا بالعودة من الحضانة. كان معتادا على أن يعصر نفسه أسفل السياج ويفر هاربا".
ومع منع استقبال الضيوف ومحاصرة العائلة داخل منزلها بشكل كبير، كانت النتيجة على منيرة وزوجها وأطفالها مدمرة. "لم يتقبل الأطفال الأمر. كان ذلك صعبا جدا عليهم"، تقول منيرة معقبة "كانوا عدوانيين ومحبطين بدرجة كبيرة".
لقد أدت القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة وسبل الوصول إلى إتلاف اقتصاد الضفة الغربية، ومثل العديد من اللاجئين، فإن هاني وزج منيرة أصبح غير قادر على العثور على عمل. إن العزلة المفروضة على العائلة كانت تعني أن مصادر الدخل البديلة، كبيع الخضروات من حقلهم، مستحيلة. لقد قام هاني بإنشاء مزرعة دجاج قامت السلطات الإسرائيلية بإزالتها.
" بقينا في المنزل لحماية أرضنا ولحماية الفلسطينيين"، يقول هاني مضيفا "إننا لا نريد أن نعيد قصة اللاجئين ونعمل على مغادرة منزلنا".
التشريد
حتى الآن، فإن ما يقارب من 60% قد اكتمل من الجدار المخطط أن يبلغ طوله 709 كيلومترات. وقد كان للجدار أثر اقتصادي واجتماعي ونفسي مدمر على المجتمعات في الضفة الغربية، وهو يعد أحد الأسباب الرئيسة لإحداث موجات جديدة من التشريد للاجئين الذين هم أصلا عرضة للمخاطر.
وفي الولجة، يواجه السكان تهديد تدمير سبل المعيشة وازدياد الفقر ومعدل الاعتماد على المساعدات الإنسانية. وبالرغم من كافة العقبات، إلا أن عمر مصمم على البقاء في المنزل الذي قام هو وجده ببنائه. "من الصعوبة بمكان أن يفهم الآخرون حقيقة مشاعري"، يقول عمر مضيفا "إن هذا هو بيتي، ولن يجعلني أي شيء أقوم بالرحيل".
-------------
* المصدر: وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى / الاونروا – آذار-مارس 2011 -
www.unrwa.org
|