מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

العقول الظلامية لن تقلع الزهور

التي زرعها جوليانو مير خميس

بقلم: نبيل عودة, الناصرة*

تزل علينا خبر مقتل المسرحي والإنسان جول (جوليانو) مير خميس كالصاعقة.

في البداية لم أصدق ما سمعته.عرفت جول منذ كان طفلاً في الناصرة، وكانت والدته آرنا خميس من أكثر النساء نشاطاً اجتماعياً وسياسياً، ولم توقف نشاطها، كان موقفها واضحاً وجريئا ،ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونشطت على المستوى الشخصي والحزبي في العمل السياسي المميز بجرأتها ووضوح رؤيتها، وفيما بعد أقامت بمساعدة أبنها جوليانو مسرح الحرية لأطفال الانتفاضة في جنين، لتعطي لعالمهم لوناً آخر غير البؤس والموت والدم والقمع ألاحتلالي، لتعطيهم أملا بالحرية والثقافة والسمو الانساني ، مقدمة نموذجاً إنسانياً لامرأة يهودية تناضل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة متحررة من الاحتلال. وبالتالي كشفت الوجه اليهودي الإنساني الذي يمكن للشعب الفلسطيني أن يبني معه مستقبلاً بدون حروب. فهل جاء اغتيال جوليانو لينجز اغتيال الحلم الفلسطيني بالحرية، الحلم الفلسطيني بالانطلاق في عالم حضاري متطور؟ هل جاء الاغتيال لابقاء المجتمع الفلسطيني مجتمعا متخلفا حضاريا، محصورا بالأوهام والغيبيات ؟

جول (واسمه مشتق من اسم جول جمال البطل السوري الذي دمر بعملية انتحارية بقارب حربي صغير بارجة جان دارك الفرنسية التي شاركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956). جول نشأ في وسط  اجتماعي متعدد الثقافات،والده القائد الشيوعي صليبا خميس كان من المثقفين والمفكرين البارزين، وأذكر أنه أسر لي مرة أنه يكتب القصة، ولكنه لم ينشر شيئاً من كتاباته، ولا أدري إذا حفظ أحد كتاباته التي لم تنشر.

اعرف جول من مدينتي الناصرة التي ولد فيها عام 1958، والتقيت مع جول بين 1968- 1970  في موسكو ، وكان قد رافق والدته ووالده إلى تشيكوسلوفاكيا،حيث عمل والده في تحرير مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" الشيوعية الدولية، ولكن بعد دخول الجيش السوفييتي لإسقاط ما يسمى بالسلطة "المنحرفة"  في براغ ( 1968)، انتقلت آرنا خميس وجول وأبنها البكر سبارتك إلى موسكو، وانتسبت آرنا لمعهد العلوم والاجتماعية، معهد الأحزاب الشيوعية، حيث كنت أدرس في نفس الفترة ، والتقيت الطفل جول شديد الذكاء مرات عديدة وكان يدرس في إحدى المدارس المميزة في موسكو.

جول إذن كان ابناً للعالم الواسع، وهويته الشخصية تشكلت بمفهوم ما بشكل عولمي، فهو أبن لقائد شيوعي فلسطيني مثقف ثقافة عالية ومن اوائل الماركسيين في المجتمع العربي داخل اسرائيل، وابن لأم يهودية مناضلة من أجل حقوق الأقلية العربية داخل اسرائيل،ترفض الإضطهاد القومي والقمع العنصري ضد الأقلية العربية ، ولم تتردد في التخلي عن عائلتها والزواج من فلسطيني، وتثقف في المدارس السوفييته قبل العودة الى اسرائيل ليدرس باللغة العبرية ويخترق عالم الابداع المسرحي العبري ممثلا ومخرجا يشهد له الجميع بالموهبة الفذة.. وتجند مع والدته ليغير الواقع المؤلم لأطفال فلسطين وليقف مدافعا عن حقهم الانساني بطفولة دون قمع ، وبثقافة انسانية، وبالانخراط في الابداع الفني كطريق لبناء الشخصية الفلسطينية القادرة على تجاوز آلامها وكنس الاحتلال ، بالفن أيضا.

في الأحاديث التي سمعناها من أساتذته وزملائه في المسرح، يظهر لنا إنسان فنان   كبير، صاحب مواقف إنسانية، لدرجة أن أحد معلميه قال أنه تعلم من تلميذه الكثير عن مضمون الفن.

جول- جوليانو رأى بالفن، المسرح في حالتنا، طريقاً لبناء جسر للسلام الفلسطيني الإسرائيلي.

جاء إلى جنين، مع والدته أولاً، التي بدأت نشاطها بمساعدته في تشكيل فرقة مسرحية، وأذكر أن فلم "أولاد آرنا" كشف الجوانب الإنسانية الخلاقة، لبداية هذا النشاط، والمأساة أنه من بين جميع "أولاد آرنا"، بقي على قيد الحياة ولد واحد، والآخرون سقطوا قتلى في عمليات نفذها جيش الاحتلال خلال انتفاضة الحجارة ومختلف عمليات العقاب العسكري في منطقة جنين. هذا هو الفرق الشاسع بين يهودية آرنا خميس وانسانيتها ، والتي اورثتها لجوليانو ليتابع نشاطه البطولي مع أطفال وشباب فلسطين، وبالجهة النقيضة ، أخلاقيات الاحتلال الاسرائيلي. واليوم يتجاوزها قتلة جوليانو بتصرف أكثر بشاعة ، وأكثر سفالة وانحطاط خلقي، من عنف الاحتلال وقمعه.

من نفذ عملية القتل المروعة؟!

يبدو واضحاً أن أوساطا سوداء في تفكيرها، قد تحمل أي اسم لأي تنظيم متخلف في فكره  ، ليس هذا ما يشغلني. انما قتل جوليانو هو قتل للحرية، قتل جوليانو هو قتل لحلم الاستقلال الفلسطيني. قتل جوليانو هو قتل لكل شيء نظيف في الحياة الفلسطينية. انهم يريدون قتل التنوير والتحرر بقتل جوليانو ، وهذا ما يجب صده .

ليس صعباً تحديد من هم أعداء التنوير، هذا القتل يجب أن لا يمر بدون عقاب، جول لن يعود للحياة، ولكن جول زرع مئات الأشتال التي تبشر بمجتمع فلسطيني متنور. وسيظل في قلوب الاف ابناء الشعب الفلسطيني حين يختفي حملة العقول السوداء مع فكرهم المتخلف من حياتنا.

الأشتال التي زرعها جول وقبله والدته آرنا ، يجب حمايتها، وتقديم كل ما تحتاجه لتطلق فروعها ، وان تواصل للانطلاق ومد جسور السلام ، التي كانت حلما انسانيا لجول وآرنا وكل شخص لم يفقد مركباته الانسانية.
بذلك نكرم أفضل تكريم، حياة ونشاط جوليانو مير خميس .

جوليانو سيبقى دافعا لتلاميذه ، ابناء المخيمات الفلسطينية،  للرقي الانساني والتحرر ، حين ينسحق كل اعداء الحياة والتقدم من المجتمع الفلسطيني.

---------------

* نبيل عودة :  nabiloudeh@gmail.com

ناسك قتلوك يا جول

بقلم: سليمان جبران**

لنقلها صريحة: لم يقتلك الاحتلال، وقد ناضلته بشجاعة وعنف طويلا. ناسك قتلوك؛ وتلك أقسى وأوجع.

لم ترفع الشعار من بعيد، رغبة في شهرة أو نفع، شأن المنتهزين. دخلت المخيم وحيدا أعزل، تعمل مخلصا في صمت، فكان المخيم  مصرعك.

جئت المخيّم حاملا المسرح والحريّة والنور. لكنّ خفافيش  السراديب لا تقوى على احتمال المسرح والحريّة والنور؛ لذا قتلوك: القتل هو الحلّ !

على نهج آرنا قبلك سرت؛ في المخيم ذاته واصلت تراثها. لكن آرنا قضت في المخيم حتف أنفها، وأنت قضيت في المخيم حتف رصاصة !

لا عجب ولا غرابة يا جول: رفيقك تشي، قبلك، قتله بوليفيون جاءهم يناضل لتحريرهم. 

------------

** المصدر: www.aljabha.org, 9.4.2011.

 

 

 

 

 

 

 

 

4/11/2011