لماذا يدفع الشعب السوري اليوم
ضريبة رعب الأنظمة العربية من الثورات؟
بقلم: فلورنس غزلان*
ــ صمت مطبق من حولنا، سكوت دون لوم أو تجريم ، فمن يقتل ويذبح ويمثل فيه ..بأطفاله وشبابه..هم سوريون..تغمض العيون وتنام ملء جفونها طالما أن المصيبة خارج حدود الساحة المرتجفة رعباً من اشتعال هشيمها السياسي ووصول شرارة الانتفاضات إليه...لهذا يتحتم اللاضمير العربي الصمت المطبق..ويتحتم الموقف المتخاذل السكوت عن الدم المراق..لأن لونه سوري...إراقته تقع خارج الحدود..الخوف يصبح حقيقة حين يقترب من ديارأمة العربان المهترئة سياسياً والمنخورة من جنباتها ومن داخلها والنائمة على عجز مفرط ..يحوله الخوف لبروباغاندا تُصرف عليها الأموال الطائلة، وتستقدم من أجلها كل الطرق وتصبح الوسائل المحرمة مسموحة طالما أنها تفيد البقاء والحفاظ على استمرار السلالات العائلية في الحكم..يصل الأمر ببعضها إلى استقدام أعداد هائلة من المرتزقة" بلاك ووتر" للتدريب والحماية ..حماية ماذا؟ ..حماية إمارات رخوة ..حماية أسر حاكمة تنام على الذهب الأسود، وتستقدم عبيداً فقراء من دول العالم الثالث لتقوم بخدمة أولياء النعمة ، وخدمة الأعداد القليلة من سكان هذه الإمارة أوتلك المملكة، دون أن يرف لهم جفن ..بأن هؤلاء بشر مثلهم لهم حقوق وتحميهم قوانين دولية يمكنها ذات يوم أن تسحب بساط المواطنة منهم..لأن ماقدمه هؤلاء من خدمات وما عاشوه من سنين في وطن المهجر يخولهم أن يصبحوا مواطنين...بعض الأصوات الوطنية الحريصة ربما على التركيبة السكانية وعلى ثروات البلاد ..نبهت للمخاطر القادمة..لكنها بقيت أصواتاً تذهب أدراج الريح ، طالما أن القوانين المحلية أكثر صرامة ويعتقدون أنها تشكل حارساً أمينا يحميهم!!..ولم يرتفع مستوى وعيهم لدرجة أن يُعَرِّبوا الأعمال والوظائف...فمعظم القائمين على إدارة البلاد لايثقون بمن يماثلوهم بالعرق من بني جلدتهم ويخشونهم أكثر مما يخشون القادم من القارة الهندية ــ على سبيل المثال ــ..وعندما بدأت ريح الثورات العربية تأكل بطريقها الحدود وتجتاز المعابر..سارعت السلطات المحمية من القوى العظمى...لتعيد حساباتها مستمرة بالخطأ وموغلة بفهمه على أساس الحلول العنفية على طريقة " أبو شفرة" ، تناور هنا وهناك وتساوم مع القوى الكبرى على بقائها وعلى بقاء الاستبداد في دول شقيقة أخرى..لأن أي انهيار " لاستقرار تلك الأنظمة " هو انهيار لاستقرار من يحمي مصالح تلك الدول وأسواقها في المنطقة وما تجنيه من أرباح في علاقات الحماية، التي تؤمنها لبقاء الأسر الحاكمة لدويلات صغيرة..تثق بالغريب وبالاستقرار وإن جاء على حساب شعوب تثور وتسعى للحرية..وأشبه مثال هو مايدفعه اليوم المواطن السوري وانتفاضته من دماء حارة وزكية...شابة حالمة بمستقبل يضمن له ولأبنائه حياة كريمة يصونها..قانون يختاره الشعب ويساوي بين مواطنيه ..دون أن تحكمه أسرة حولت البلاد السورية ذات التاريخ العريق في تمردها على الظلم والطغيان...إلى إمارة أسرية أو مملكة " أسدية" تريد ان تنسب الوطن للأسرة الحاكمة وتحوله لمزرعة تخص عائلة لاعراقة لها في نسب ولا خصوصية لها في حسب، ولا اختيار شعبي وطني وقع عليها كحاكمة له بفعل الإنتخاب الديمقراطي الحر، ــ باعتبارها تاريخياً اختارت أن تكون جمهورية لا ملكية.
مظاهرات "جمعة أطفال الحرية" تنطلق في عدد من المدن:
http://youtu.be/9WAeXbbqU3I
اليوم يصمت الجميع أمام المذبحة ، التي تقوم بها عائلة الأسد الحاكمة وأجهزته الأمنية المتنفذة المسيطرة منذ عقود أربع ونيف، اليوم يساوم الجميع على الدم السوري...فنجاح الانتفاضة بعرفهم يعني عدوىً ثورية يمكنها أن تنتشر وتعم..لهذا يهرع الجميع نحو طلب الأمن والأمان..من شركات تحرسهم وتؤمن لهم حماية سلطاتهم..كما فعل ولي العهد في دولة الإمارات حين استعان ب " بلاك ووتر"، رغم كل ماتحمله هذه الشركة من إرث أسود في العراق وفي أفغانسان..وفي افريقيا..الخ..ممن تخشى دولة الإمارات؟ أما كان من الأجدى أن يلتفت ولي العهد إلى بعض المطالب الوطنية بحريات أكبر ومساحات حركة أكثر تجعل المواطن يشعر بالأمان والدعة والفضاء الرحب إلى جانب شعوره بالاكتفاء الاقتصادي؟!..وأن يضع نصب عينيه بأنه" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"..، أن يفتح المجال لشقيقه العربي ..لأنه لايحتاج في أي يوم كان لمواطنة خليجية...فوجوده في الإمارات مؤقت فقط..وعودته لوطنه مؤكدة ..لأنه خرج كي يساهم بعمله في بناء بلد عربي، وبنفس الوقت في بناء وطنه فيما بعد حين يوظف مكسبه لخير بلده، ألا يعتقد المسؤولون بدول الإمارات أن أسلوب الدعاية والهمروجات الفاضحة والصاخبة المنسوخة عن تحشيد الصور والإكثار منها والأغاني والأهازيج والأشعار والأناشيد ، التي تشيد بزعماء الأسر وشيوخها، لو سخرت لتضييق الهوة بين من فاق غناهم المسطرة الحسابية وبين مواطنين من أبناء البلد محروم بعضهم من الجنسية أو ينظر إليهم كمواطنين من درجة ثانية أفضل بمليون مرة من هذا الضجيج الإعلامي وإغراق رقعة البلاد الصغيرة بالدعاية والدعاء لسيد البلاد؟ وأن خطى حافظ الأسد وصدام حسين وتجييشهم وتحشيدهم للمؤيدين لم يؤتي أكله ولم يلق آذاناً صاغية لدى شعوبهم وإنما انقلب عليهم وتحول إلى كوابيس يريد منها النظام السوري فكاكاً ويبحث عن عفواً فلم ولن يجده، كما لم يجده شقيقه اللدود صدام في محنته!!.. أما كان أجدر بأن يفتح الباب أمام عقول وطنية تدرس الأوضاع بجدية وتخرج بقوانين توطن وتعرب الدوائر الهامة..قبل أن تأمركها أو تبرطنها؟! ــ نسبة لأمريكا وبريطانيا ــ ..ولماذا الآن؟..هل يخشى من الوجود السوري في دولته؟.وهو العالم يقيناً أنه الأكثر أماناً على مصلحة بلده لو سَلُمت النية وصفيت الإرادة وتعمقت الثقة بأشقائه العرب العاملين فوق أرضه.
..ولماذا تصمت جامعة الدول العربية مع أن رئيسها الجديد هو ابن الثورة المصرية شقيقة الثورة السورية؟..لماذا يهرع مجلس التعاون الخليجي لانقاذ مجرم وسفاح كعلي عبدالله صالح ويغض النظر عما تقترفه أيدي بشار الأسد...هل يعتقد أن بإمكانه خداع الشعب السوري؟ ، فذاكرتنا أقوى وحصافتنا أكبر من أن يستطيع المجلس استغفالها...فحين زار وزير خارجية الأسد " السيد المعلم" دول الخليج وأصدر تصريحه الصحفي بأن " سورية تؤيد الموقف السعودي والخليجي وتدعم إرسالها لقوات تحفظ الأمن في البحرين بناء على اتفاقية دفاع مشترك"!! ــ لسان المعلم وسيده يقول: دعونا نفعل مانشاء بشعبنا ونترككم تفعلون ماتشاؤون بالبحرين...بل نضمن أن يكون موقف طهران من الحراك البحريني محدوداً ــ وهذا فعلا ماحصل على الأرض!..لايقتصر الأمر على موقف الأنظمة العربية بل يصل إلى روسيا والصين ..الخائفتين من انتفاضة الشعب السوري...فيتنحى السيد " ميدفيديف" جانباً بسيد البيت الأبيض " أوباما"في لقاء الثمانية الكبار المنعقد في مدينة دوفيل الفرنسية ويقايضه على حياة بشار الأسد مقابل أن يطلق دون تعطيل يد " الناتو" في ليبيا وتتخلى بالمقابل روسيا عن مصير القذافي!
هل تحبنا كل هذه الدول وتحرص على استقرار بلدنا وأمنه..مع أنها تصمت عما يفعله بشار الأسد بشعبه..ولايعتبر سيد الكريملين أن أعمال العنف الوحشي والقتل المتعمد للأطفال والنساء والحصار للمدن والحرب المعلنة على الشعب السوري..." لاتشكل خطراً على الأمن الدولي"..؟! كيف يمكن لموت الإنسان السوري أن يشكل خطراً على أمن الانسان ككل بعرف سيد الكريملين؟!، وقد صدر أكثر من تصريح يشير أن لروسيا مصالح وديون عند النظام السوري باعتبارها الممول الأول له بالسلاح..وهي العالمة أن هذا السلاح لايستخدم من أجل تحرير الجولان ولا من أجل مقاومة إسرائيل، وإنما من أجل " حماية استقرار حدود إسرائيل وأمنها...لأن أمن إسرائيل من أمن النظام السوري واستقراره " ــ ألم يصرح بهذا الناطق باسم العائلة الحاكمة في سوريا وبنكها المركزي المتحرك( السيد رامي مخلوف)؟..وأما وزيرة خارجية الصين فلا تخجل للحظة وهي تتشدق " بحق النظام السوري في ردع التظاهرات باعتبارها تخل بأمن البلاد واستقرارها"!ــ هنا يجب أن نذكرها بأنها تمارس الانسجام التام مع سياسة نظامها المتماثلة بسياسة بشار الأسد في مستوى العنف والقمع..والتصدي لكل حراك شعبي يجنح للحرية ...فلم ننس بعد جرائم نظام بلدها ضد أبناء شعبه في ساحة "تيان مين"!
أريد فقط أن أنبه وأحذر الدول العربية وجامعتها الصامتة والنائمة حيال مايعيشه المواطن السوري ومايعانيه من تنكيل وحرب ضده من نظام لم يعد بعرف كل قوانين العالم وأعرافه إلا نظاماً غير شرعي..نظاماً يرتكب كل يوم مذابح جماعية وجرائم ضد الإنسانية، فمن يقتل الأطفال والنساء العزل ، من يقتل المتظاهرين السلميين ويدعي أنهم " سلفيين" يريد بهذا إرسال إشاراته غير المجدية للعالم الغربي ، الذي يضيق الحصار عليه نتيجة لضغوط المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية ومالديها من وثائق تثبت وتدين الأعمال الإجرامية لنظام الأسد.، .بأنه يحارب عصابات سلفية!، ..وبقاءه أكثر ضماناً وحفظاً لمصالحها ومصلحة إسرائيل في المنطقة، كما يريد أن يقنع الداخل بما يقوم به من دعاية هي الأكثر قذارة وتخلفاً وكذباً ونفاقاً في عالم الإعلام والتجييش ومحاولات التطييف ، التي يريد أن يزج البلاد بها، ويثبت وعي المواطن وشباب الانتفاضة يوماً بعد يوم خيبة النظام وأدواته الأمنية والإعلامية في إقناع المواطن السوري بأنه يحارب طواحين الهواء السلفية، محاولاً في الوقت نفسه تسويق وتبرير هذا الذبح وآلته الوحشية...لكن امتداد رقعة الإنتفاضة أفقياً على جغرافية الوطن وشاقولياً من حيث النوعية والمستوى الطبقي..حيث بدأت تتململ الطبقة الوسطى والتجار وأصحاب الأموال..بعد أن ساهمت الأوضاع بتردي الاقتصاد وتدهور مصالحها المرتبطة بالنظام، وكلما مر الوقت فقدت وسائل ارتباطها به..واضطرت إلى سلوك الطريق الآمن مستقبلا لها مع الشعب ومصلحتها مع مصلحته أي مع الانتفاضة ــ فعلى سبيل المثال حين يطالعنا السيد بوق النظام " الطالب إبراهيم" مدافعاً منافحاً منزلقاً بلسانه " أن رامي مخلوف و70 من رجال المال والأعمال الدمشقيين" قد وضعوا كل أموالهم بخدمة البنك المركزي السوري".نسأله ماذا حل بالبنك المركزي؟ هل أثبت عجزاً؟ ..نعم فالكثير من الوظائف والشركات الخاصة لم تدفع أجور العاملين لديها وبدأت تسرح وتغلق الكثير من أعمالها..أي أن انهيار النظام قادم لامحالة ليس فقط على وقع ضربات الانتفاضة الشعبية السلمية، وإنما اقتصادياً ومالياً وأنه كلما طال ضغطه وحلوله الأمنية معتقداً أن " الأزمة انتهت أو صارت وراءه " ــ حسب أقواله ــ كلما كبرت هوة سقوطه وانهياره، فالحرية قادمة مهما كلفنا الثمن وكلنا ثقة بأننا سنجنيها.
--------------
* فلورنس غزلان (باريس), المصدر: الحوار المتمدن - العدد: 3385 – 3.6.2011.
* * *
سوريا: جرائم ضد الإنسانية في درعا
أعمال قتل وتعذيب في المدينة المغلقة الخاضعة للحصار
في تقرير أصدرته في بداية شهر حزيران-يونيو 2011 قالت هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) إن أعمال القتل والتعذيب الممنهجة التي ترتكبها قوات الأمن السورية في مدينة درعا منذ بدء الاحتجاجات هناك في 18 مارس/آذار 2011، توحي بقوة بأن هذه الوقائع ترقى لكونها جرائم ضد الإنسانية.
تقرير "لم نر مثل هذا الرعب من قبل: جرائم ضد الإنسانية في درعا" الذي صدر في 57 صفحة، يستند إلى أكثر من 50 مقابلة مع ضحايا وشهود عيان على الانتهاكات. التقرير يركز على انتهاكات شهدتها محافظة درعا، حيث وقعت بعض أسوأ وقائع العنف إبان تظاهرات مطالبة بقدر أكبر من الحريات في سوريا. ظلت تفاصيل هذه الانتهاكات بلا تغطية دقيقة، بسبب حظر المعلومات والحصار المفروضين من قبل السلطات السورية. وصف الضحايا وشهود العيان الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش أعمال قتل وضرب وتعذيب ممنهجة، باستخدام أجهزة صعق كهربية، مع احتجاز الأفراد الساعين للحصول على الرعاية الطبية.
"على مدار الشهرين الأخيرين، راحت قوات الأمن السورية تقتل وتعذّب شعبها في ظل إفلات كامل من العقاب. عليها أن تكف عن ذلك، وإن لم تفعل، فمجلس الأمن مسؤول عن ضمان مثول الجناة أمام العدالة", أكدت هيومن رايتس ووتش.
على الحكومة السورية اتخاذ خطوات فورية لوقف الاستخدام المفرط للعنف المميت من قِبل قوات الأمن. وعلى مجلس الأمن فرض عقوبات وأن يضغط على سوريا من أجل محاسبة الجناة، وإذا لم تستجب سوريا على النحو الواجب، فمن الضروري إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
انطلقت التظاهرات في البداية في درعا، رداً على احتجاز وتعذيب 15 طفلاً اتهموا برسم شعارات على الجدران تطالب بإسقاط النظام. رداً على التظاهرات تكرر فتح قوات الأمن بشكل ممنهج للنيران على احتجاجات كانت تتسم بالسلمية في الأغلب الأعم. قتلت قوات الأمن 418 شخصاً على الأقل في محافظة درعا وحدها، وأكثر من 887 شخصاً في شتى أنحاء سوريا، طبقاً لنشطاء سوريين أعدّوا قوائم بالقتلى. ومن المستحيل التأكد من العدد الدقيق للقتلى.
الشهود الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش من درعا وفروا شهادات متماسكة باستخدام قوات الأمن للقوة المميتة ضد المتظاهرين والمارة، في أغلب الحالات دون إطلاق تحذيرات مسبقة أو بذل أي جهد لتفريق المتظاهرين بسبل غير عنيفة. قام عناصر من مختلف فروع الأجهزة الأمنية (المخابرات) وعدة قناصة تمركزوا فوق أسطح البنايات، باستهداف المتظاهرين، والكثير من الضحايا أصيبوا بأعيرة قاتلة في الرأس أو العنق أو الصدر. وثقت هيومن رايتس ووتش عدة حالات شاركت فيها قوات الأمن في عمليات ضد المتظاهرين في درعا ومدن أخرى، حيث تلقت تلك القوات أوامر من القيادات بـ "إطلاق النار من دون تردد" [بحسب أحد الجنود المنشقين: لقّم وأطلق].

جثث متظاهرين سقطوا برصاص قوات الامن
بعض الهجمات التي وثقت وكانت الأعلى حصيلة من حيث عدد القتلى:
· هجوم على مسجد العمري (الذي أصبح مركزاً لتجمع المتظاهرين، وكان بمثابة مستشفى مؤقت للمحتجين الجرحى)، والاحتجاجات التي تلت ذلك من 23 إلى 25 مارس/آذار 2011، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 30 متظاهراً.
· هجمات على تظاهرات أثناء احتجاجين في 8 أبريل/نيسان 2011، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً.
· هجمات تمت خلال المظاهرة والجنازة في مدينة إزرع يومي 22 و23 أبريل/نيسان 2011، والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 34 متظاهراً.
· عمليات قتل أثناء حصار درعا والقرى المجاورة لها (بدأت يوم 25 أبريل/نيسان) وأثناء جهود السكان في أحياء البلدات المختلفة لكسر الحصار في 29 أبريل/نيسان، والتي خلّفت زهاء 200 قتيل.
وصف تسعة شهود عيان من بلدات طفس وتسيل وسهم الجولان لـ هيومن رايتس ووتش إحدى تلك الهجمات التي وقعت في 29 أبريل/نيسان، عندما حاول آلاف الأشخاص من البلدات المحيطة بدرعا كسر الحصار المفروض على المدينة. قال الشهود إن قوات الأمن أوقفت المتظاهرين الذين حاولوا الاقتراب من درعا لدى نقطة تفتيش عند المدخل الغربي لمدينة درعا. أحد الشهود من بلدة تسيل ممن شاركوا في التظاهرة قال:
توقفنا هناك، في انتظار مجيئ أعداد أكبر. كنا نرفع أغصان الزيتون، ولافتات مفادها أننا نريد إدخال الطعام والمياه إلى درعا. كان معنا الماء والطعام. تجمع آلاف الأشخاص على الطريق... وامتد الحشد مسافة ستة كيلومترات.
ثم بدأنا نقترب من نقطة التفتيش. رحنا نهتف "سلمية سلمية" ورداً علينا اطلقوا النار. كانت عناصر الأمن في كل مكان، في الحقول القريبة، وفوق خزان مياه وراء نقطة التفتيش، وفوق سطح مصنع قريب ووسط الأشجار، وراحت النيران تنهمر من كل الجهات. بدأ الناس يركضون، ويتساقطون، ويحاولون إبعاد المصابين. أصيب تسعة أشخاص من تسيل ومات شخص آخر.
قال شاهد آخر من طفس:
لم يتم إطلاق تحذيرات، ولا إطلاق نار في الهواء. كان الأمر كميناً بكل بساطة. سمعنا إطلاق النار من كل الجهات، من أسلحة أوتوماتيكية. كانت قوات الأمن متمركزة في الحقول على امتداد الطريق، وفوق أسطح البنايات. راحوا يستهدفون الناس عمداً. أغلب الإصابات كانت في الرأس والعنق والصدر.
قُتل هناك شخصين من طفس: محمد أيمن بردان، 22 عاماً، وزياد حريدين، 38 عاماً. كان زياد واقفاً إلى جواري عندما أصابته رصاصة قناص في الرأس. مات على الفور. إجمالاً، قُتل 62 شخصاً وأصيب أكثر من مائة آخرين، وساعدت في نقلهم إلى مستشفى طفس.
تكرر لوم السلطات السورية للمتظاهرين في درعا على المبادرة بالعنف واتهمتهم بمهاجمة قوات الأمن. جميع الشهادات تشير، على النقيض، إلى أن التظاهرات كانت في أغلب الحالات سلمية.
في عدة حوادث، حيث لجأ بعض سكان درعا للعنف رداً على مقتل المتظاهرين، فأشعلوا النار في السيارات والمباني الحكومية، وقتلوا بعض العناصر من قوات الأمن. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الوقائع تحتاج للتحقيق، إلا أنها لا تبرر بأي حال من الأحوال الاستخدام الموسع والممنهج للقوة المميتة ضد المتظاهرين.
كما قامت السلطات السورية بشكل متكرر بحرمان المتظاهرين المصابين من الحصول على الرعاية الطبية، عن طريق منع سيارات الإسعاف من بلوغ المصابين، وفي عدة حالات قامت بفتح النار على المسعفين أو المنقذين الذين حاولوا إبعاد المصابين. سيطرت قوات الأمن على أغلب المستشفيات في درعا واحتجزت المصابين الذين نُقلوا إليها. النتيجة أن الكثير من المصابين تفادوا اللجوء للمستشفيات وعولجوا في مستشفيات ميدانية فيها مرافق طبية محدودة. في حالتين على الأقل وثقتهما هيومن رايتس ووتش، مات أفراد بسبب حرمانهم من الرعاية الطبية المطلوبة.
وصف شهود من درعا وبلدات قريبة منها عمليات مداهمة موسعة شنتها قوات الأمن، التي راحت تعتقل المئات يومياً، وكذلك اعتقالات استهدفت النشطاء وأقارب لهم. المحتجزون - والكثير منهم أطفال - احتجزوا في أوضاع مزرية. جميع المحتجزين المفرج عنهم الذين تمت مقابلتهم قالوا إنهم ومئات غيرهم - شاهدوهم رهن الاحتجاز - تعرضوا للتعذيب، وشمل ذلك الضرب لفترات مطولة بالعصي والأسلاك المجدولة وغير ذلك من الأدوات، والتعرض للصعق بالكهرباء. بعضهم عُذبوا على "أرفف" معدنية وخشبية أعدت على عجلة، وفي حالة واحدة على الأقل وثقتها هيومن رايتس ووتش، تم اغتصاب محتجز باستخدام هراوة.
قال شاهدان - كل على انفراد - إن عمليات إعدام بعيداً عن القضاء قد وقعت بحق محتجزين في 1 مايو/أيار في مركز احتجاز مؤقت بملعب كرة قدم في درعا. أحد المحتجزين قال إن قوات الأمن أعدمت 26 محتجزاً، والآخر وصف مجموعة قوامها "أكثر من 20 شخصاً". لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من جانبها من هاتين الروايتين. إلا أن المعلومات التفصيلية التي وفرها الشاهدان ومصداقية أجزاء أخرى من شهاداتهما - المؤكدة بموجب شهادات مستقلة أخرى - تدعم مصداقية هذه الادعاءات.
في 25 أبريل/نيسان بدأت قوات الأمن في عملية عسكرية موسعة في درعا، إذ فرضت حصاراً دام 11 يوماً على الأقل ثم مددته إلى بلدات مجاورة. تحت غطاء ثقيل من النيران، احتلت قوات الأمن كل حي في المدينة، وأمرت الناس بالبقاء داخل البيوت، وفتحت النار على أولئك الذين خالفوا الحظر. قال شهود إن سكان درعا تعرضوا لنقص حاد في المواد الغذائية والمياه والأدوية وغير ذلك من الإمدادات الضرورية، أثناء الحصار. أطلقت قوات الأمن النار على خزانات للمياه. وانقطعت الكهرباء وكل وسائل الاتصال. ومع عدم التمكن من دفن أو تخزين جثامين عدد متزايد من القتلى، خزن سكان درعا الكثيرين في ثلاجات خضار نقالة تعمل على وقود الديزل.
كما فرضت السلطات السورية حصاراً على خروج المعلومات من درعا. منعوا أي مراقبين مستقلين من دخول البلدة، وعطّلوا كل وسائل الاتصال. فتشت قوات الأمن وصادرت الهواتف الخلوية التي ظهرت فيها مقاطع فيديو وصور للأحداث في درعا، واعتقلت وعذبت من اشتبهت في محاولتهم إخراج الصور وغيرها من المعلومات خارج درعا، بمن فيهم رعايا أجانب. في بعض المناطق يستمر انقطاع الكهرباء والاتصالات إلى الآن.
دعت هيومن رايتس ووتش الحكومة السورية إلى الوقف الفوري لاستخدام العنف المفرط والمميت من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين والنشطاء، والإفراج عن جميع المحتجزين المقبوض عليهم تعسفاً، وإتاحة دخول منظمات حقوق الإنسان والصحفيين فوراً وبلا عرقلة إلى درعا. كما دعت المنظمة مجلس الأمن إلى تبني عقوبات مالية وحظر سفر على المسؤولين السوريين المتحملين لمسؤولية استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك دعت المجلس إلى الدفع بجهود التحقيق والملاحقة القضائية على الانتهاكات الجسيمة والمتفشية والممنهجة لحقوق الإنسان في سوريا.
بذلت السلطات السورية كل ما بوسعها من جهد لإخفاء قمعها الدموي لأحداث درعا, ولكن الجرائم البشعة من هذا النوع يستحيل إخفاءها، وعاجلاً أو آجلاً يضطر المسؤولون عنها للمثول للمحاسبة على ما اقترفوا.
|