מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

أصوات من القبور

بقلم: فريدة النقاش*


جسدت مظاهرة السلفيين وتحالفهم مع كل التيارات الإسلامية يوم الجمعة 29 يوليو 2011 حقيقة الثورة المضادة في قلب الثورة، ففي حين جعلت الثورة من الحرية الحقة المتكاملة هدفا لها لم تنجزه بعد، هجمت الثورة المضادة متصدية باسم الدين لميلاد الحرية، ولجأت لإرهاب جماهير الثورة وتوتير الأوضاع ومحاولة

جر الجماهير إلي شعارات بعيدة عن شعاراتها، وهي تسعي للحيلولة دون التطور المنطقي للثورة الديمقراطية إلي ثورة اجتماعية اتساقا مع الانطلاقة الأولي: عيش حرية كرامة إنسانية عدالة اجتماعية.

انحدر الإخوان المسلمون تاريخيا وكل من خرج من عباءتهم من واقع الصراع السياسي الاجتماعي الوطني ممثلين للتوجهات القديمة المعادية للحداثة والديمقراطية، ولكل ما راكمته الإنسانية علي امتداد تاريخها الحديث من قيم المساواة وحرية الاعتقاد والاجتهاد والتعايش بين المختلفين، وقادهم صراعهم مع عبدالناصر حول هذه القيم ذاتها وبشكل أساسي صراعهم علي السلطة إلي الهروب إلي بلدان النفط وهناك راكموا الثروات التي عادوا بها علي أجنحة سياسة الانفتاح والاقتصاد الحر الساداتية التي أبدوها وزايدوا عليها.

أما السلفيون فهم نبت مزروع قسرا في البيئة المحلية بفعل ثروات النفط ومن قلب السعودية علي نحو خاص، والتي كانت بيئتها المغلقة العشائرية قد أنتجت الفكر الوهابي المغلق بدوره والقادم من العصور الوسطي بل ومن القبور، وتحالف الإخوان المسلمون مع كل من السلفيين والتيارات الدينية الأخري من أجل هدف صريح هو قطع الطريق علي الثورة والحيلولة دون تطور الأوضاع في اتجاه بناء الدولة المدنية التي هي موضوعيا دولة علمانية ينفصل فيها الدين عن السياسة وذلك استمرارا وتطويرا لشعار ثورة 1919 الوطنية الكبري «الدين لله والوطن للجميع».

ارتبط تاريخ كل من الإخوان المسلمين والتيارات الجهادية الإسلامية والسلفيين بالعنف الذي تفاوتت أدواته من ميليشيات عسكرية إلي هجوم علي الكنائس وصولا إلي قطع أذن مواطن مسيحي إلي العنف المعنوي ضد النساء والمسيحيين ورغم أن القيادات العليا في أوساطهم بالغة الثراء وهم تجار شطار إلا أنهم يعتمدون علي قاعدة من الشرائح الدنيا الضائعة في المجتمع المنقسم بين الأغنياء والفقراء والفقراء المدقعين الذين أفرزهم القانون العام والمطلق للتراكم الرأسمالي وألقي بهم علي هوامش المدن في الأحياء العشوائية وأوكار البؤس والمخدرات.

وعادة ما استخدمتهم الطبقات المعادية للثورة لتشتيت صفوف الجماهير وإرهابها، وهم عادة علي استعداد لارتكاب الفظاعات لأنهم ضحايا الفقر الثقافي والروحي واليأس العميق من المستقبل، وهم يشكلون بهذا الفقر المركب أكثر الفئات استجابة للأوهام الجديدة التي يطلقها الإسلاميون بكل تجلياتهم، مستخدمين آليات جبارة لتثبيت هذه الأوهام علي رأسها أعمال الخير لمكافحة الفقر دون برنامج جدي للقضاء علي هذا الفقر، فوجود الفقراء ضروري لهم.
وعادة ما تولد مثل هذه الظواهر وتنمو ردا علي أزمة اقتصادية وسياسية وروحية عميقة، تستدعي من المجتمع القديم أشد عناصره رجعية وعداء للحرية بما في ذلك الحرية الفكرية والروح النقدية التي غالبا ما تكشف بأدواتها التحليلية الثاقبة الغطاء من الأوهام التي يروجون لها ويقدمونها كحل للأزمة، ودفع بهم مثل هذا الانكشاف لأشكال من السلوك الهمجي لإرهاب الخصوم السياسيين وبث الذعر في نفوس الجمهور المؤيد للثورة بمطالبها الاجتماعية والديمقراطية، مع خطاب تحريضي عدواني غير قابل للجدل وهدفه الأساسي هو إطلاق النزوات من عقالها لأنهم يعتبرون البشر العاديين محكومين فقط بغرائزهم، وهكذا كان بث الرعب وتمزيق لافتات القوي الديمقراطية والعدوان علي خيامها ومنصاتها، وهو نفسه السلوك الذي طالما لجأت إليه القوي الفاشية في أوروبا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية وما تلجأ إليه القوي النازية الجديدة هناك الآن في ظل الأزمة العامة مما يجعلنا نقول بوجود طبقة عربية إسلامية للفاشية تهدد التطور الديمقراطي تهديدا حقيقيا.
لا يكفي أن نقول إن مسار التاريخ يتجه إلي الحداثة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لأن توحيد قوي الثورة هو مفتاح انتصارها الذي سيكون عنوانا علي نضجها الذاتي في مواجهة الثورة المضادة التي تراهن علي ماض لن يعود وتبدو أصواتها قادمة من القبور، بينما تؤسس الثورة للأمل في مستقبل أفضل ترفرف عليه رايات العدالة والمساواة الحقة والكرامة الإنسانية.

-----------

* فريدة النقاش, رئيسة تحرير جريدة الأهالي القاهرة؛ المصدر: ألأهالي, (جريدة يصدرها حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي) - ؛ 5 أغسطس- آب 2011.

 

 

 

 

8/8/2011