מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

تحية حب وابتهاج للشعب الليبي

هل سيكون مصير بشار الأسد مثل مصير صدام حسين والقذافي؟

بقلم: كاظم حبيب*

حقق الشعب الليبي مأثرة رائعة حين انتصر على خوفه وعلى كل أساليب وأدوات القمع الحكومية وأجهزتها الأمنية, حين زأر هذا الشعب كالأسد الجريح ضد حكامه الأوباش وأصر على تحقيق حلمه في الحرية والحياة الحرة والكريمة والتمتع بخيرات بلاده. خسر الشعب الكثير من أبنائه لينتصر على الحكام الذين هيمنوا عليه وأهدروا كرامته وفرطوا بثرواته النفطية وتجبروا في الأرض وكأن حكمهم أبدي لا يزول, وأسرفوا بالتفاؤل الزائف ونسوا الحقيقة التالية "لو دامت لهم لما انتقلت إليهم".

لقد أصر الشعب الليبي على الانتصار وسار في معركته الكبيرة حتى نهايتها المشرَّفة, حتى تحرير آخر شبر من الأرض الطيبة "بن وليد وسِرت" من أيدي أعداء الشعب الذين أذاقوه مرَّ العذاب.

وأخيراً مات العربيد الشرير الذي فرض نفسه طوال أربعة عقود ونيف على الشعب الليبي ومرغ كرامته بالتراب وفرط بأموال الشعب وخيراته. لقد مات "ملك ملوك أفريقيا" مختنقاً بدمائه بطريقة لا يتمناها الإنسان حتى لأشد أعدائه. مات الذي شتم الشعب الليبي وثواره بتسميتهم "الجرذان" وانتهى إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ودخل مزبلة التاريخ. مات "القائد" الأهوج الذي رفض الرحيل وأصر على حكم البلاد مع أفراد عائلته ودفع بالكثير منهم إلى حتفهم. ما كان ليموت لو وافق على الرحيل مع أفراد عائلته إلى أية دولة تقبل به لاجئاً. مات وهو يعتقد بأن الشعب الليبي كله يحبه وما الجماعة الثائرة إلا لقطاء وخنازير وجرذان وغرباء عن الوطن, ولم يدرك إن الغريب الوحيد عن الوطن هو القذافي ذاته ومعه أفراد أسرته وطغمته الحاكمة. لقد كان القذافي مصاباً بجنون العظمة والنرجسية والشزفرينة كما كان صاحبه صدام حسين مصاباً بها وكذلك بشار الأسد وعلي عبد الله صالح ومحمد حسني مبارك ومن لفَّ لفَّهم.

لقد انتصر الشعب الليبي على حكامه الأوباش, وتسلم الأمر بيديه, وعليه الآن أن يبني مستقبله بنفسه. على عاتقه تقع مسؤولية البدء بالحوار العقلاني بين جميع مكوناته الفكرية وتجمعاته السياسية وأن يجد القواسم المشتركة لإقامة دولة مدنية حرة وديمقراطية تستند إلى دستور مدني حديث وديمقراطي يحمل معه للشعب الحرية والأمن والاستقرار والبناء والتقدم والازدهار, ويضمن المساواة بين المرأة والرجل والعدالة الاجتماعية والعلاقات الطيبة مع جميع شعوب العالم ويعوض عن العقود المنصرمة التي لم يتقدم بها خطوة واحدة صحيحة نحو الأمام.

لقد قتل "قائد" الفاتح من سبتمبر لأنه خان الثورة التي انطلقت في حينها لبناء حياة جديدة للشعب الليبي, حياة الحرة والديمقراطية والمساواة والتقدم والتخلص من واقع التخلف الذي كانت تعاني منه البلاد. لقد انتهى عهد القذافي وانتهى معه, وهو ما يتمناه الإنسان, عهد العطايا للمرتزقة العرب الذين وقفوا في باب خيمته يمتدحونه, ويستجدونه بعض فتات موائده على حساب حرية وكرامة ومصالح الشعب الليبي. هل ننسى ذلك الوفد العراقي البائس الذي حمل السيف العربي والعباءة العربية العراقية وبعض كتب مشوهة في القانون يتمسحون بأذياله ويباركون له حكمه ويستجدون بعض فتاته ويطلبون عونه !! يا للعار والشنار لهؤلاء الوعاظ, وعاظ سلاطين الحكام الأغبياء.

لا بد أن يجد بقية حكام الدول العربية, بالمصير الذي انتهى إليه صدام حسين ومعمر القذافي, مصيرهم المنتظر ما لم يسارعوا إلى ترك الحكم على وفق إرادة الشعب أو تغيير سياساتهم غير الوطنية وغير الديمقراطية وتحويلها إلى سياسة تخدم الشعب ومصالحه وتستجيب لإرادته.

وأول من يفترض أن يعي ذلك بشار الأسد وعلي عبد الله صالح. كلاهما غاص في دماء أبناء الشعبين السوري واليماني... كل يوم يسقط الكثير من أبناء الشعبين برصاص القناصة وأجهزة الأمن العدوانية بأوامر صادرة عن رأس الفساد الحكومي وعن العوائل والأحزاب الحاكمة فيها.

منذ أشهر كثيرة والشعب السوري يناضل من أجل رحيل بشار الأسد وطغمته الحاكمة وعائلته التي تقود البلاد إلى الجحيم. منذ أشهر والدبابات تدوس أجساد المناضلين والقناصة يقتلون الأطفال الأبرياء والنساء والرجال وأجهزة الأمن تختطف الشباب وتزجهم في السجون ليلاقوا شتى أشكال التعذيب الشرسة ويموتوا تحت التعذيب. ولكن الشعب السوري مصمم على انتزاع حريته وكرامته من عبث الحكام الأوباش, فهل سينتهي بشار الأسد كما انتهى إليه معمر القذافي؟ إن إصرار بشار الأسد ورهطه على البقاء في الحكم بالرغم من إرادة الغالبية العظمى من بنات وأبناء الشعب السوري ستقود به عاجلاً أو أجلاً إلى نفس المصير الذي لا مناص منه, إلى الموت على أيدي الثوار, إنه مصير كل الحكام الذين لا يرعون حرمة وكرامة ومصالح الشعب ولا يرحلون عن الحكم والبلاد حين يطالبهم الشعب بالرحيل ويتسببون بكوارث كثيرة.

هكذا سيكون مصير علي عبد الله صالح الذي يصر على إرسال القوات اليمنية التي يقودها ابنه الأرعن لتقتل يومياً العشرات من المتظاهرين في شوارع المدن اليمنية. وهكذا سيكون مصير عمر البشير وغيره أيضاً حين يتعرضون مع إرادة الشعب ومصالحه.

ليس غريباً إن تقف الجامعة العربية موقف المتفرج على ممارسات هؤلاء الحكام وهم يقتلون الناس في بلدانهم, لأن المنتدبين إليها هم في الغالب الأعم من خدمة وأتباع تلك النظم الفاسدة. وإذا ارتجى الإنسان من الجامعة أن تتحرك لنصرة هذا الشعب أو ذاك, فكأنه يخاطب صخراً جلمدا ويرجو منه ذلك.

لست ممن يفرح لموت أي إنسان, ولست ممن يقبل بحكم الإعدام ضد الحكام الذين ارتكبوا جرائم ضد شعوبهم ولا حتى ضد المجرمين العاديين الذين ارتكبوا جرائم قتل ضد آخرين, ولست ممن يفرح بقتل الحكام في الشوارع, إذ يكفي أن يزجوا بالسجون بعد محاكمات عادلة لهم وأن تكون العقوبة الأقسى هي الحكم المؤبد الذي لا يرى فيها الحرية مطلقاً ويبقى في السجن بقية عمره. هكذا يفترض أن يكون الوضع في كافة الدول المدنية والمتحضرة. ولكن المشكلة تبرز, كما يبدو للجميع, أن الحكام في غالب الأحيان يرفضون التنازل عن الحكم الذي اغتصبوه بالقوة وعبر الانقلابات ويمارسون التزييف والشكلية للبقاء في الحكم, مما يدفع بالشعوب إلى الاحتجاج ثم الانتفاض أو الثورة ضد أولئك الحكام ونظمهم السياسية والتي غالباً ما تنتهي إلى ما انتهى إليه معمر القذافي والذي سينتهي إليه عاجلاً أو آجلاً بشار الأسد وعلي عبد الله صالح وعمر البشير ومن لفَّ لفُّهم.

هنيئاً للشعب الليبي على انتصاره في معركة الحرية والكرامة والحقوق وتحية للثوار على شجاعتهم الرائعة في خوض المعركة حتى نهايتها لصالح الشعب وتمنيات بأن يبني الشعب الليبي حياته الجديدة على أسس الحرية والديمقراطية ومبادئ شرعة حقوق الإنسان والوثائق الدولية والإقليمية الخاصة بذلك, أتمنى على الشعب الليبي أن يفوت على أولئك الأعداء الذين يتمنون تورط الشعب الليبي بصراعات دموية من أجل السلطة والنفوذ والمال, كما يجري اليوم في العراق الجريح, بل أن يجد لغة مشتركة ومبادئ مشتركة تساعده على بناء دولته المدنية الدستورية, التي تستند إلى أسس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة الحرية والمتساوية, دولة القانون الديمقراطي والعدالة الاجتماعية التي افتقدها الشعب منذ مئات السنين, وخاصة في فترة حكم معمر القذافي وعائلته.

تحية ودٍ واعتزاز لكل الثوار الأشاوس والشعب الليبي بأسره, وتمنيات حارة في أن ينتهي نضال الشعب السوري واليمني والسوداني وغيرهم من الشعوب إلى ذات الانتصار الذي تحقق في ليبيا على الحكام الظالمين.

-------------

*: كاظم حبيب - كاتب وسياسي عراقي وأحد العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان؛ المصدر: الحوار المتمدنwww.ahewar.org -  العدد: 3522 – 21.10.2011.

 

10/24/2011