מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

 النظام السابق مسؤل عن المناخ الطائفي السائد

بقلم: أحمد الخميسي - حوار: أمل خليفة*

أحمد الخميسي أديب ومترجم مصري له العديد من المؤلفات والقصص القصيرة بعضها ناقش قضايا نعيشها الآن وطرح لها الحلول في وقت مبكر مثل كتاب "الأبواب المغلقة الذي يناقش فيه الفتنة الطائفية في مصر، كذلك مجموعته الأخيره كناري التي نوهت لثورة 25 يناير. حصل علي الدكتوراه في الأدب الروسي ولديه العديد من الترجمات الأدبية في الأدب الروسي .

Ø      في كتابك " الباب المغلق بين الأقباط والمسلمين " استشرفت خطورة الأزمة الطائفية ، كما ربطت بينها وبين الفقر وغياب العدالة الاجتماعية في علاقة مضطردة لماذا ؟ ومتي تيقنت من ذلك ؟

Ø      بالنسبة للفتنة الطائفية وهو التعبير المهذب عن حقيقة التمييز الديني والتمترس الفكري وراء الدين لغياب أي مشروع قومي ووطني ، فإنني أعتقد أن الكثيرين استشرفوا خطورة تلك الظاهرة ، وكتبوا في ذلك حول تاريخ الموضوع ، لكن ما كتبوه في الأغلب الأعم كان دراسات تاريخية وقانونية وحتي فلسفية ، بالنسبة لي تناولت الموضوع من زواية انعكاس تلك الأزمة علي العلاقات الإنسانية ، تناولته إلي حد ما بشكل أدبي ، والتناول الأدبي يغلب علي معظم ما أكتبه ، ومازلت أذكر حين كانت مجلة اليسار تصدر عن التجمع بانتظام وكنت أكتب لها مقالات سياسية من موسكو أن الأستاذ حسين عبد الرازق كان يقول لي ضاحكا " أنت أديب ضل طريقه إلي السياسة " . الأزمة الطائفية بالنسبة لي كانت ومازالت أمرا مقلقا جدا ، لأن المجاعات التي مرت علي مصر حتي أوشكت في لحظة أن تهدد الشعب المصري بالانقراض ، والغزوات الخارجية ، لم تتمكن أبدا من شق مصر وتفتيتها ، بالعكس منحتها قوة ووحدة ، أما الأزمة الطائفية فإنها - بالنسبة لي - الخطر الحقيقي الذي يهدد بشق مصر . من ناحية أخري فإني لا أتصور حال أخوتي الأقباط وهم يعيشون في خوف لمجرد أنهم أقلية ! هذا شيء مرعب . أن تجدي إنسانا يحيا في وطنه خائفا طوال الوقت من دهس الأغلبية واكتساحها لحياته . بالطبع ربطت بين تلك الأزمة والفقر ، أولا لأن تلك هي الحقيقة إذ تتقاطع خطوط الطائفية مع أفقر البؤر علي الخريطة المصرية ، وثانيا لأن الفقر هو أبو كل الأزمات . الفقر ليس فقط " لاينجب الطيبة " كما كان بريخت يقول ، بل يلد كل الوحوش الفكرية والسلوكية التي تلتهم كل ما حولها من قيم . وأعتقد أن الناس حين يعيشون في فقر ولا يجدون مخرجا من ذلك، فإنهم يتمترسون خلف أقرب التصورات إليهم ، ويفسرون العالم بتلك التصورات. وحينما تغيب فكرة الوطن الواحد ، ونهضته ، لا يتبقي لليأس سوي التفجر ، ولا يتبقي لليائسين سوي تدمير ما حولهم وتدمير أنفسهم .

 Ø      في خطاب مفتوح منك إلي د. عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق اقترحت خطة لكي تتبناها الوزارة لمعالجة قضية الفتنة الطائفية . ما المبررات ؟

Ø      كتبت خطابا للدكتور عماد أبو غازي حين كان وزيرا للثقافة ، ووقعه أكثرمن مئة كاتب وفنان معروف ، طالبته فيه بتشكيل لجنة " خاصة " من الكتاب والمسرحيين والشعراء والسينمائيين لوضع خطة لمواجهة الطائفية والعمل بها بعيدا عن بيروقراطية الوزارة ، خطة تعتمد علي التحرك بقوافل ثقافية صغيرة وخفيفة تتجه إلي الناس في القري ، وإليهم في أزقة المدن وأحيائها الفقيرة ، لتعرض عليهم بمسرح صغير ما هو مشترك في تاريخ مصر من ملامح الوحدة الوطنية : أغاني سيد درويش ، وقائمة بأسماء شهداء حرب أكتوبر التي تضم دون تمييز المسيحي إلي جانب المسلم وغير ذلك ، لكنه للأسف لم يأخذ بها ، وربما لم يستطع ، وقال في حينه إن لديه لجنة بالفعل خاصة بشيء ما لا أذكره ، لكن اللجنة لم تفعل شيئا كعادة اللجان . وكنت أتصور حين طرحت المشروع في الصحف أن المهمة الأولي والثانية والثالثة لوزراة الثقافة هي مواجهة الطوفان الفكري الطائفي ، وإلا فما قيمة وزارة الثقافة ؟ وزارة الثقافة ليست مطبعة للكتب الجيدة ، أو منسقا عاما للعروض والمهرجانات ، وحين يكون الخطر الداهم علي مصر هو الطائفية تصبح مواجهة الطائفية هي الدور الأول للوزارة . وعلي سبيل المثال إذا وقع لاقدر الله عدوان خارجي علي مصر فهل ستظل الوزراة بعيدة عنه ؟ أم أنها ستتحرك لحشد الناس للدفاع عن الوطن ؟ الطائفية عدوان داخلي علي مصر وكنت أتصور أن مواجهتها ينبغي أن تكون علي رأس مهام الوزارة . لكن تأتي الوزارات بما لا يشتهي الناس .

 Ø      هل للنظام السابق يد في خلق الباب المغلق بين الأقباط والمسلمين ؟

Ø      النظام السابق بدءا من جذوره ، أي من أنور السادات مسئول بالطبع عن تصنيع الباب المغلق بين الأقباط والمسلمين . السادات كان أول من أطلق يد الجماعات الإسلامية لضرب نفوذ القوميين واليساريين ، ثم جاء نظام مبارك فواصل تعميم الفقر باعتباره المشروع القومي الذي سيخلد اسمه ، كما واصل تعميم الجهل ، ونشر التمييز الديني . طالما سألت نفسي مع الآخرين : لماذا يبث التلفزيون كل شعائرنا الدينية نحن المسلمين باستمرار ، ولا يبث شعائر أخوتنا الأقباط ؟ فإذا فعل مرة ، أو في مناسبة ، قام بذلك كأنه يمن علي طفل محروم بقطعة حلوي. النظام السابق أيضا لم يقم بأي شيء لمواجهة الأزمة ، واقتصر خطابه السياسي والثقافي علي الدعوة اللفظية للتنوير والممارسة الفعلية لنشر الظلام والعنف واليأس .

 Ø      كيف انتهكت الموهبة الأدبية في النظام السابق وما أدوات تهميشها ؟ وكيف تحايل المبدعون علي هذا القهر الأدبي؟

Ø      كان ضباط ثورة يوليو في مطلع الثورة يحاولون أن يكونوا مثقفين ، مثل ثروت عكاشة ، وغيره ، لكن مع حلول نظام السادات وفشل منهج تفضيل أهل الثقة ، لجأت الدولة لاستخدام المثقفين في أجهزتها الثقافية وعسكرتهم . كان لدينا عسكر يتثقفون ، وأصبح عندنا مثقفون يتعسكرون . معظم الأجهزة الثقافية كانت ومازالت بيدي نمط جديد من المثقف الضابط ، الذي يكتب ما يشبه الشعر أو الرواية ويمارس أساسا حراسة بوابات النظام الفكرية ، يجلس علي دكة أمام المؤسسة ويمنع كل موهبة شريفة من الاقتراب أو الدخول. وفي ظل هامش الديمقراطية الذي أتاحه نظام مبارك ، كفت الدولة في أغلب الأحيان عن ملاحقة الكتاب ، والتلويح للجميع بعقود النشر ، والتأليف ، ،وعضوية اللجان ، والسفر ، والمؤتمرات ، والبدلات ، والمهرجانات الصاخبة ، والاستكتاب في الصحف القومية ، فإذا لم ينفع كل ذلك أسدلت علي الكاتب ستائر التجاهل الكثيفة . التجاهل التام كان ومازال الوسيلة الأشد قسوة . أنت لست موجودا. لكن الأدب والأدباء يجدون دائما وسيلة للبقاء ، إما عن طريق دور النشر الخاصة ، أو المجلات العربية أو بعض المنابر المصرية القليلة ، ويستمرون في عملهم مثلما تنبت بصعوبة عشبة في الرصيف والأسفلت وتظل ترفرف مثل معجزة صغيرة .

 Ø      مجموعة" كناري" صدرت آول ديسمبر عام 2010 وبتأملها نجد أنه كان لديك في قصة " انتظار" تصور متطابق مع خطوات الثورة . كيف حدث هذا ؟

Ø      الحقيقة أنه لم يكن لدي تصور لخطوات الثورة في قصة " انتظار " ، لكن كان هناك ميدان واسع تتجه إليه كتلة بشرية كبيرة ، وتقيم فيه حياتها الخاصة بها بعيدا عن الطغيان والفساد . لم يكن لدي تصور خاص بميدان التحرير ، لكن كان هناك شعور أن الأوان قد حان لخلق حياة أخري موازية أوبديلة ، وأن الوضع العام يحمل في طياته كل عناصر اليأس والتفجر وإندفاع الجموع إلي ساحة كبيرة يرسمون فيها صورة مستقبلهم .

------------

* المصدر: الأهالى، القاهرة - 7 ديسمبر 2011 .

 

12/13/2011