نعم للخدمة المجتمعية الإلزامية
بقلم: د. أسعد غانم
سموها ما شئتم..... خدمة مدنية، خدمة اهلية او خدمة مجتمعية.... كلها اسماء تدل على استعداد الفرد بشكل اختياري او اجباري للقيام بعمل بدون اجر ولمدة محددة مسبقاً، من أجل خدمة مجتمعه. مرة اخرى يعلو النقاش حول ضرورة تنظيم العمل المجتمعي للشباب العرب وذلك في اطار النقاش حول لجنة "بلسنر". اختلفنا مع الدولة ونختلف حول سؤال الجهة التي تسيطر على الخدمة المدنية ومن يوجهها ويقطف ثمارها، وموقف المجتمع العربي صحيح في رفض اتباع الدولة للخدمة المدنية كأداة للسيطرة وتمزيق المجتمع العربي، لكن هذا لا يجب ان يعمينا عن مصالح مجتمعنا وحاجاته! ليس هنالك اي منطق وطني في رفض ضرورة ان يقدّم كل شاب وشابة سنة أو أكثر لمجتمعهم/ بلدتهم وحارتهم، هذا هو جوهر الالتزام الوطني وليس تهريج المنصات والاذاعات. يجب ان نصيغ وننفذ مشروع وطني ليس له علاقة بنقاشنا مع الدولة حول الحقوق والواجبات. ، بل منطلقين من مشروع يؤكد على التزامنا كلنا بالعطاء للمجتمع واستعدادنا للتنظيم جماعيا في اطار شعبي يوحدنا ويجعل من كل افراد مجتمعنا اعضاء ملتزمين بالعطاء لمجتمعهم.
من المؤسف حقا بأننا في هذا المجال لا نحمل سوى الرد السلبي على لجنة "بلسنر" ولسنا على استعداد لبلورة مشروع وطني بديل ينظم العمل المجتمعي من خلال مجالسنا وبلدياتنا المحلية ويسعى لإجبار الدولة على تحمل مسئولياتها من خلال توفير الدعم المالي والاعتراف بالخدمة المجتمعية من اجل الحصول على بعض الامتيازات التي تعطى للجنود او المسرحين في التعليم العالي والتشغيل، الخ....لعل ما اذيع عن موقف لجنة المتابعة حول القبول بتنظيم عمل اهلي من خلال السلطات المحلية هو بداية التغيير الايجابي في هذا المضمار، لكن الموقف حتى الان غير واضح ولا يفي المسألة حقها.... يجب طرح مشروع وطني عربي، شامل وملزم لكل شاب وشابة في مجتمعنا العربي الفلسطيني في اسرائيل، حتى لا نكون مساهمين في خلق فئات متفاوتة في عطائها والتزامها تجاه المجتمع واحتياجاته من ناحية ونكون مساهمين في بلورة وتعضيد التزام الاجيال الصاعدة تجاه مصالح مجتمعنا وتنظيمه من الناحية الاخرى. كل المشاريع المقترحة من هيئات عربية مختلفة مدنية وسياسية هي غير جدية وليست عملية وجزئية ولا تعطي البديل الحقيقي للمشروع الحكومي، وموقف البعض الذي يلوح بدعم العمل التطوعي ما هو الا ذر للرمال في العيون. الحل الأسهل والمريح هو الرد السلبي.
واضح لي تماما بان الدولة غير معنية في اقامة اطار ينظم الشباب العرب ويعطيهم فرصة الاستمتاع بخدمة مجتمعهم، وربما الاستفادة مستقبلا من هذا العمل من خلال تزويدهم بمهارات مباشرة، أو من خلال تعويضهم مستقبلا بامتيازات تمنحها الدولة. الدولة، وفي إطار عداءها لمصالح المجتمع العربي، لا تريد تزويد شبابنا بأدوات ضرورية لمجابهة تحديات عصرية، تتطلب مهارات لا يمكن الحصول عليها في الجهاز التعليمي ولا في المجتمع عموما، كما انها لا تريد ان تصرف على العرب امكانيات مالية وتنظيمية تستطيع توجيهها للمجتمع الاسرائيلي بدل اعطائها للعرب... ولذلك فإنها ولجانها المختلفة تجد الطريق لكي توصي "بخدمة مدنية تطوعية" وتجد مبررات جاهزة: "العرب لا يريدون مثل هذه الخدمة"، طبعا الدولة لم تسألنا عندما ميزت ضدنا ولا عندما صادرت اراضينا، ولا عندما استثنتنا من المواطنة ولا من المصالح العامة... الان، ولأسبابها المذكورة يهمها مواقف بعض من يدعون باسم مصالحنا باننا لا نريد خدمة مجتمعية، اهلية، مدنية.
يجب ان نجري نقاشا داخليا جديا حول المسألة وحول المواقف منها وعدم الاكتفاء بشعارات واهية من اجل مصالح ضيقة لا تتصل أبدا بمصالح المجتمع، وبغض النظر عن الموقف من الموضوع المطروح، فالمجتمع العربي بمؤسساته وهيئاته لم يناقش بعد موضوع الخدمة المدنية ولم يبحثها باستفاضة، لهذا فهنالك فجوة بين الموقف الرسمي وبين الموقف الشعبي لان الشباب لم يقتنعوا حتى النخاع بمبررات الموقف الرسمي. عندما يجري النقاش حول ضرورة استحداث برنامج لتنظيم التزام الشباب العرب تجاه مجتمعهم مرة تلو الاخرى يتم ترديد شعارات واهية ليست لها علاقة بالواقع. فمرة يقال بانه في الدولة الحديثة تعطى الحقوق اولا بغير علاقة مع الواجبات او ان المنطق يترتب على ان الحقوق اولا والواجبات بعدها، وهذه شعارات عندما تردد تدل على عدم فهم للدولة الحديثة ولا للديمقراطية في الدولة الحديثة..... طبعا هنالك علاقة، وعلاقة قوية جداً بين الدولة الحديثة والحقوق، وفي حالتنا هنا نحن بالتأكيد اعطينا ونعطي الدولة اكثر بكثير مما تعطينا، فهي بالأحرى تعادينا ولا تتعامل معنا كمواطنين بل كأعداء وهي بالتأكيد لا تستحق ان نعطيها اكثر. لكن هذا لا يجب ان يمنعنا من ان نبلور ما نعطي لمجتمعنا الداخلي وليس للدولة. هل يجب ان يعطي الشاب العربي سنة او اكثر لخدمة القضايا العامة في الحي او البلدة، ام ان هذا اهدار لوقته الثمين؟
يطلع علينا البعض بمقولة مفادها بأن الدولة تتطلع الى تحويل الخدمة المدنية الى خدمة عسكرية في اوقات الازمات؟ كلام غير صحيح ومناف لمنطق الدولة اليهودية. فالدولة لا تريد تجنيد العرب الا كأداة لتقسيمهم كما فعلت وتفعل مع الدروز والبدو وعشرات اخرين من المتطوعين للجيش، وكل هؤلاء ليسوا موضع ثقة وكلنا نعرف ما هو موقعهم في الجيش وكيف يتم التعامل معهم بعد الجيش... مواطنين من الدرجة الثانية، نقطة سطر جديد. الدولة لا تريد تجنيد العرب وتخشى منهم وهم ليسوا بجنود فكيف تقوم بتجنيدهم؟. كلام ليس له اية صلة بالواقع وباعتقاد المؤسسة السياسية والامنية الاسرائيلية بان العرب في اسرائيل هم أكثر من يعادونها لأنها تعرف تماما ما هو عمق النكبة التي سببتها لهم وما هي آثار سياستها العدائية تجاههم في كل المجالات. هذا طبعا، الا اذا اعتقد البعض وبشكل مناف للمنطق بان المؤسسة الاسرائيلية لا تفكر بعقلانية من حيث مصالحها هي.
ونسمع تكرارا كلاما عن ان الشباب العرب يعطون مجتمعهم بغير اكراه ولا اجبار وان المجتمع المدني يعطي بخياراته وليس من خلال قانون اجباري. كلام قد يكون صحيحاً، لكنه لا يتعامل مع كل الشباب العرب، فما هي نسبة من يعطون بخيارهم ؟ 1 ام 2 بالمائة، وكيف يعطون؟ في اطار مخيمات تطوعية تجري مرة خلال السنة ولأسبوع او عشرة أيام في احسن الاحوال. هل هذا فعلا عملا تطوعيا، منظماً لشبابنا؟ هل فعلا العمل في مؤسسات المجتمع المدني هو عمل تطوعي، ام انه باجر كامل وسمين في غالبية الاحوال؟ وما علاقة ذلك في تنظيم المجتمع العربي، او فئة الشباب؟
مجتمعنا يعاني من ازمات عاصفة، اولها واعمقها انفراط عقد هذا المجتمع وتحويله إلى قبائل وأحزاب متخاصمة، وتفرقها العصبيات والمصالح الانتهازية. نحن في اوج الحاجة الى تنظيمات جامعة، تكون الخدمة المجتمعية احد اوجهها، وتكون ملزمة وجامعة لكل شبابنا ولا تقام على اساس انتماءات حزبية ضيقة ومقسمة لمجتمعنا.
هل فعلا قيام شابة او شاب عربي بالتطوع للعمل مع المسنين في بيوت المسنين، أو تعليم أطفال في فترة المساء او تقديم العون في مستشفى لرواده من العرب واليهود هو عمل سلبي؟ ان من يعتقد بان هذا العمل هو سلبي ويقدم التبريرات لذلك من خلال اختراع تبريرات وهمية هو ابعد ما يكون عن العمل الوطني. كل بلدة عربية تحتاج في كل لحظة معطاة إلى مئات الكوادر التي تستطيع العمل على ترتيب طرق السير لطلاب المدارس، ومساعدة رواد المؤسسات الطبية وتنظيم السير في اوقات المساء والقيام بالحراسة في الليل والمساهمة في تفعيل النشاطات الثقافية في المؤسسات التعليمية والنوادي، وتجميع الكتب المستعملة وتوضيبها واعادة توزيعها على الطلاب في بداية السنة الدراسية، وعشرات النشاطات الاخرى، هذا طبعا بالإضافة الى المتعة الفائقة المتعلقة بالعطاء والتطوع لأجل خدمة المجتمع، بدل الفوضى العاتية التي تجعل من اهم شرائح مجتمعنا مجموعات من الشباب المستهتر والذي يتلذذ بفوضى لا مثيل لها في كل بلدة وحارة. تشير أدبيات العنف، أن المجتمع الذي تكثر فيه قيم التطوع فكرا وممارسة يقل فيه العنف بدرجات كبيرة جدا. لا أدعي القبول طواعية للمشروع الحكومي ولكن يجب إجراء مفاوضات حوله قبل رفضه بشكل قاطع، لان الرفض القاطع دون تفاوض حوله بكل مركباته يسحب البساط من تحت القيادة العربية وشرعية موقفها أمام الجمهور العربي.
يجب ان نسعى الى التأسيس لمشروع وطني ملزم.... واذا كان هذا الالزام لا يأتي الا من خلال قانون عام فليكن. ان استمرار الفذلكات والتبريرات، وخصوصا من اشخاص مرتبطين بالمؤسسة من خلال الخدمة في الكنيست او تلقي معاشات وزارة الداخلية من خلال السلطات المحلية او الحصول على مرتبات التقاعد من الدولة، وكأنهم يرفضون كل التزام تجاه الدولة هو محاولة للضحك على الذقون واستعمال المزايدات كوسيلة لرفع اسهمهم وتحقيق غاياتهم بدل التفكير في مصالح مجتمعهم. وخصوصاً ان جزءا كبيرا منهم يرعون جمعيات واطر تعمل على دمج الشباب العرب في خدمة مجتمعية وتسعى للحصول على تمويل من مصادر حكومية مثل وزارة التعليم ووزارة العمل والرفاه الاجتماعي، كما تتطلع للحصول على اعتراف رسمي بالمشاريع التي تنفذها كبدائل للخدمة المدنية. فبالله عليكم اعفونا من ازدواجية المواقف وقوموا ولو لمرة واحدة في تقديم دلالة على ان كلامكم الوطني مرتبط بمصالح المجتمع وليس بالخطابات المجردة، وإذا أردتم أن ترفضوا أقنعونا بذلك، بعيدا عن الشعارات والحجج الشعبوية.
|