مقلين بقلم سونيا ابراهيم*:
أ. صرخات أنثى غزية**
القصة هي نتيجة زواج مبكر لامرأةٍ غير متعلمةٍ ، تربي أبنائها كما ربتها أمها ، ولكن دون كره للأطفال الذين أنجبتهم من زواج مبكر!!
وتشرح لي حالتها بأسفٍ وحزنٍ شديدين : لا أدري لم توقفت عن الابتسام ، وعن الضحك .. ما زلت أشعر أنها تؤلمني كل تلك الذكريات الكئيبة ، في طفولتي لم أجد شيئاً يمنعني عن الحب ، ولكن مُنعت أن أمتلك قرارت حياتي ، ودخلت في قسوة الحياة ، ومرارتها ، وتمرغت فيها .. وكأني أشبه بامرأةٍ تندب أمواتها.. كنت أندب موتي بكل ثانيةٍ ، وبكل لحظة.. صفعات والدي ، صراخ أمي ، وكل ما نعتوني به ، ومعاملة أختي الأكبر مني ، كانت أكثر واحدة تنتقدني في الفترة الأخيرة ، وكانت تؤلمني بكل الطرق , دائماً تساند أمي وتدعمها ضدي .. ما زلت أكره حقيقة أن أمي تزوجت زواجاً مبكراً.. ومازلت أكره أني أتيت إلى هذه الحياة وأنا صغيرة..
وما عدت صغيرة.. و لكنهم هنا لا يرون أني كبيرة بأي شئٍ ، سوى بالألم !!
كيف يبدأ العنف الأسري، ونعتقد جميعنا بأننا مجتمعات لا تعاني من العنف ؟؟!
تتابع حديثها : نعتتني أمي في احدى المرات بالشيطانة ، ولم أعلم ماذا أقول لها ؟؟ صُدمت أنها أمي وأنني ابنتها !! كنت الأقوى لأني لم أرد أن أصدق أنها أمي ، وبأنها شخص يمت لي بصلةٍ.. كنت الأكثر ألماً لأن أحداً لم يرد أن يشاطرني هذه الآلام !!
وتقول لي بحسرةٍ وألم : تحدثت كثيراً عن هذا الألم ، الذي يعتصرني مند الصغر ولكنني للآن لم أجد من يستطيع أن ينقذني .. ثم أجلس ساعات وأتساءل – بغضبٍ - هل يهم إن كان هناك من سينقذني اذا كانوا أهلي هم من فعلوا ذلك بي؟؟
أصبحت حياتي مشقة بكلِ شئٍ ، و لم أتخصص بالكلية التي أريدها.. والدتي لا تعتقد أن الأنثى يناسبها أي عمل غير التدريس ، ورغم أنها تعلم عن معاناة أخواتها ممن عملن بالتدريس ، إلا أن ذلك لم يغنها عن أن تكون استبدادية ، وتهددني بعدم دفع تكاليف دراستي الجامعية اذا لم ألتزم بخيارها ، وبأنها ستبقيني محبوسة في المنزل ؛ لأخدمها ، وأخدم من في المنزل ، وكأنني عمالة رخيصة (!!) ..
ومن وجهة نظرهم هل تصلح المرأة لغير ذلك ؟؟ حتى و إن كانت ممن يحملن الشهادات الجامعية ، ولديها القدرة على أن تثبت نفسها في مجتمعها كعضوٍ فعالٍ ، وليس كفردٍ سلبيٍ ، يأخد ما يعطونه ، وليس ما يطالب به !!
هل تستطيع المرأة في مجتمعنا أن ترفض العنف الأسري ، وأن تطالب بحقوقها ؟؟
وتردد ، وهي تسخر من حالتها البائسة : ما يضحكني دائماً عنما أستمع إلى قصصهم ، أو عندما يستمعون إلى قصتي – حسب روايتهم – هو أنهم يُكونون لديهم نفس ردة الفعل .. وكلهم بصوتٍ واحدٍ يمثلون أنهم يقدمون النصيحة ، ويقولون : " اذا لم تكوني تريدين ما نريده لك ، اذن يجب أن تعاني" (!!) . وأن تعاني يشمل الاهانة ، والعنف المعنوي والجسدي .. وهذا تماماً ما حصل معي ، وفي مجتمعي الغزي الضيق الأفق ، عندما طالبت بحقي ، بعيداً عن وجهة نظر مختار العائلة ، أو الأعمام ، أو ذكور الأسرة ..
وتعبر لي عن سخطها من هذا المجتمع : ظلت الكلمات واقفة في وجوههم ، لا تستطيع امرأة غزية أن ترفض العنف الأسري ؛ لتجد من يساعدها ويحميها ، لأنه يبدو أن من هم " مسئولون عن حماية المجتمع أو الشعب " ، هم نفسهم من يمارسونه ل ( العنف ) ، و بكل عين وقحة.. وبكل فخرٍ ، وكأنهم ينتظرون أن يحصلوا على جائزة.. عنوان الجائزة " أليس هو هذا الرجل في مجتمعنا الذكوري المتخلف"!!
المرأة ناقصة عقل ودين .. أهذا فقط ما يفهمونه ويتعلمونه من تعاليم دينهم :" الاسلام - الذي كرم المرأة - " ؟؟
وتجيبني - وفي عينيها تخبئ بقية الأسئلة - : غريب كيف ينادوننا بأن ننهض بمجتمعاتنا - بخطبهم الدينية - ونحن لا نملك أدني حقوق كمواطناتٍ كريماتٍ.. المرأة في مجتمعاتنا العربية ما هي إلا وعاء لانجابِ الأطفال ( في عائلات قبلية ، لا تقبل أن تسمي الطفل إلا باسم عائلة الوالد ) ، و لا يوجد في وطننا العربي أي احصائيات دقيقة عن العنف الأسري ، الذي تعاني منه المرأة !!
هي – بالنسبة لهم – مجرد وعاء للانجاب ، وبالواقع فإن ذلك ليس لأنها أقل انسانية ، بل لأنهم منعوها ، وحصروها بجسدٍ لا يلمسه إلا من هم يريدون ، وليس من هي تريد .. يجبرون المرأة على أن تفكر بما يريدونها أن تفكر فيه ، وهكذا يصبح أسهل عليهم أن يسيطروا عليها..خوفاً من أن تحصل على حريتها ، وإنسانيتها الكاملة!!
وعاء إنجاب ؛ لأنها بنظرهم " كالبقرة تُباع ، وتُشترى " (!!) و في أمور الزواج ، يقدرونها بالمهر "حفنة أموال" إن كثرت أو قلت ، فلا يعني ذلك بالضرورة أنه سيضمن لها حقها في حياة سعيدة .. وفي كثيرٍ من الأحيان يتم تقليصه لأقل قدرٍ ممكن ، لِكونِ الرجل من أبناء العم ! أما إذا كانت العائلة غنية ، فإن المهر يمكن أن يبلغ أكثر من المطلوب ؛ حتى يستطيعون المبالغة (!!) .. ولكن هناك سؤال مهم يطرح نفسه : هل تحتاج كل امرأة " المهر" وهو شئ مادي معين مقابل رباط مقدس مثل الزواج ؟؟ ولماذا يعتبرونه تقديراً لابنتهم ؟؟ إذا كانت تزوجت مثلما تزوجت والدتها ، وجدتها ، دون أن يأخذوا رأيها ، أو يعطونها حريتها ، وحقها في اختيار الشريك المناسب – حسب شخصيتها ، ورغبتها !
نقد فكرة أن المرأة عبء لدرجة أن الأهل يبكون فرحًا بعدما يستغلون نصف مهرها لمصلحتهم الخاصة ؛ فهي أخيراً تزوجت ممن اختاروه لها ! كما يقال عن المرأة "بنظرهم" ناقصة عقل ودين !!
وتقول لي بكلماتٍ أخيرةٍ : وإذا كان الأهل فعلاً يريدون الحصول على المهر من أجل " قيمة " ابنتهم و" تقديراً " لها ، لماذا لا يقفون إلى جانب ابنتهم – المرأة - والتي تعاني من عدم المساواة والتمييز الجندري ؟؟ وهنا أقصد أيضاً ، وبالتأكيد نبذ العنف الأسري ؟؟
-------------
* سونيا ابراهي - كاتبة غزية تبحث عن حريتها في مجتمع قبلي يقبع تحت ظلم الاحتلال ، ويخضع لسطوة الحكومات المدجنة تحت الاحتلال .. لن تتحرر الأوطان ولا العقول من الاستعمار الأبوي، ولا من الديكتاتوريين الا بتحرير المرأة.
** المصدر: الحوار المتمدن – www.ahewar.org – العدد: 3796 – 22.7.2012.
ب. العنف الأسري***
تعريفه هو ليس انك فقط تعيشين في مجتمع ذكوري فيه الرجل هو الفحل ( فقط ) والامرأة هي الأداة التي يستغلها لإثبات رجولته .. وهو ليس فقط أن تعامل الإبنة أو الزوجة أو الأخت كأنها خادمة ( ببرقع ) للأب أو الزوج أو الأخ .. وهو ليس فقط المجتمع الدي تعيش فيه المرأة لغيرها ، الذي يستغلها ولا يحترمها .. بل هو المجتمع أيضاً الذي ينظر إليها حتى اذا كانت متعلمة ، عاملة ، بأنها مصرف للمال في نهاية كل شهر .. وآلة للعلاقة الحميمة في آخر كل نهار للعنف الأسري في المجتمع .. و هو معنوي أيضاً بقدر ما هو جسدي .. مرغمة المرأة أن تفكر بالزواج حتى لا تكون عبئاً على عاتق أهلها .. مرغمة على الكذب والتظاهر بالخجل اذا شعرت بالحب لتخبئه عن أهلها .. وهي مجبرة على أن تواجه نفسها أحيانا في مواقف محرجة ومحبطة ، اذا استغلها رجل ينتمي لتفكير هذا المجتمع بشكل أو بآخر ..
مجبرة أن تكون موجودة بكل ما فيها ، طيلة الوقت ، ولكن لا تستطيع أن تحصل على أي دعم نفسي أو معنوي ممن حولها .. مجبرة أن تدعي أن النقد الهدام ، والعنف المعنوي الذي تتعرض له كل يوم ما هو إلا تعبير عن الحب من عائلتها أو أقاربها أو حتى صديقاتها ، وأنه نوع من الحرص عليها لكي تكون جيدة " طبقاً لمواصفاتهم " ، وبأحسن حال لها!
مجبرة أن تشعر أن رغم كل شئ الحياة جميلة بعدم وجود الكثير مما تحتاج ، أو بوجود الكثير مما يؤذيها ويضر، بكرامتها كإنسانة ..
المرأة المثقفة والواعية في مجتمعنا تعلم أن هذا كله تخاذل ومؤامرة من أنظمة سياسية هزيلة ، وفاسدة وبين عادات وتقاليد بالية لمجتمع تسوده القبيلة المجتمعية ، والمحسوبية ، ويكثر فيه الذكور، ويقل فيه الرجال ..
المرأة في مجتمعنا يجب أن تكون لعوباً ، لتستطيع أن توفق بين حياتها ورغباتها ، أو أن تكون امرأة تمثالاً بدون أي رغبات أو احتياجات ، ألا يوجد مجال للحالة الطبيعية في هذا المجتمع الغير قابل للانعدال ؟؟
المرأة في مجتمعنا تعطي ، ولكن لا تنال إلا مجتمعاً كالذي تعيش فيه ، مجتمع خال من كل شئ إلا من الأخطاء ..
تحصل المرأة على ما تعتقد أنها تحتاجه وهي مغمضة العين ، مانحة كل الثقة إلى الرجل الذي يغمض مجتمعه عينيه - عنه وعن رجولته .
تحصل المرأة على كل ما تعتقد أنها تريده ( هكذا ربّوها ) ، و لكنها لا تستطيع أن تشعر بنفسها ( وكأنه رهان منهم عليها أو بالأحرى رهان ضدها) ..
يراهنون عليها في مجتمعنا : إما أن نكسر الزجاجة ، أو أن نتركها فارغة للهواء .. وهمٌ أكبر لتشعر بالفراغ الأكبر ؛ حتى تشعر بالرغبة إما بالإمتلاء إلى حد التخمة ، أو إلى حد الموت ... معاني أخرى تعبر فيها عن شعورها بالفراغ .. لا تملؤها هذه المعاني إلا بفراغ هذا المجتمع الذي لا يحتوي إلا على مزيد من الضجر ، و ربما كما يقول البعض هذا الأمر له صلة بالتربية .. أو بالأحرى له صلة بكيف أرادوا أن ينشؤننا !!
قد تشعر امرأة مخدوعة أحياناً بحاجة لأن تبرهن أنها امرأة ذكية و قوية – في مجتمعها المتخاذل - ، وتغازل بائع الخضروات حتى يراعيها ، أو حتى يخدعها بكلمة غير لائقة من وراء ظهرها ، أو بابتسامة خبيثة لا ترى فيها إلا جسداً للاستغلال ..
وقد تشعر أحياناً بأنها محقة اذا شدت أذن ابنها ، وبصقت على ابنتها قائلة لا أعلم من سيقبل بك زوجة في المستقبل؟؟
وقد تضحكن الجارات على ذلك أيضاً فتشعر المرأة بأنها " مقبولة اجتماعياً " ، وتستمع بأن تقلل من شأن ابنها أو ابنتها على مرأى جميع الأقارب أو الأصدقاء ...
ولكن الأغرب من ذلك عندما تبكي اذا مرض ابنها أو ابنتها ؟؟ هل تبكي بعد أن قللت من شأنهم أمام أقاربهم حزناً عليهم ؟؟ أم خوفاً على نفسها من أن تضطر أن تتظاهر بالحزن – وهي مضطربة عقلياً ؟؟
وهل فعلاً تدمع عيناها عندما تزوج ابنتها فرحاً وسعادةً ، وهي التي قد زوجتها رغماً عنها قبل أن تكمل دراستها ، أم تدمع لأنها لا تصدق كم هي – وضيعة - لأنها تتظاهر بالفرح أمام عائلتها وهي تشعر بالذنب ؟؟ أم ربما تبكي لأنها أخيراً تخلصت منها ؟؟ أم لأنها ترى في ابنتها – حفيدتها - التي ستعاملها ابنتها بنفس الطريقة ؟؟
كل هذه الأسئلة التي تعرضهنّ لنفس المنوالات القديمة مخبأة في داخل هذه المرأة ، التي أحب أن أسميها امرأة مختونة المشاعر والأمومة .. امرأة وأدوا فيها الأنوثة .. امرأة نزعوا منها انسانيتها ، وهي تعيش في مجتمعٍ يخضع للعنف الأسري ، و يفسره – الذكور - بأنه نوع من الحب والانتماء للأسرة .
--------------
*** المصدر: الحوار المتمدن – www.ahewar.org – العدد: 3799 – 25.7.2012.
|