حول الفيلم المُسئ .
بقلم: الدكتور سامى لبيب*
أثار فيلم أمريكى يسئ لنبى الإسلام موجة من الغضب العارم فى الشارع الإسلامى ليقوم المتظاهرون بالإعتداء على سفارات الولايات المتحدة بل تطال سفارات غربية ايضا لتتكلل مشاهد العنف بمقتل السفير الأمريكى فى ليبيا وثلاثة من معاونيه فى حادثة هى الأعنف لنحصد فى النهاية مشهد درامى غريب فى تداعياته .
فى هذا المقال سأتبع أسلوب فى التعاطى مع القارئ فلن أصدر رؤيتى ووجهة نظرى منفردة كما إعتدت فى مقالاتى وأبحاثى بل سأثير قضايا عديدة من خلال أسئلة ذات إجابات لشخصين متأملاً ألا يمر هذا الحدث بدون ان نتعامل معه بمنهج وفكر واعى يتلمس تضاريس عقولنا فى صياغة فكر وثقاقة ناضجة مغايرة .
قبل أن أتطرق للأسئلة يكون من الأهمية بمكان طرح رؤيتى عن هذا الفيلم كتسجيل موقف كاتب ومثقف عربى , فأنا أرى هذا العمل غير لائق على عدة مستويات أولها أنه يجب التعامل مع مقدسات الآخرين بشئ من الإحترام والنبل والفروسية , كما أننا أمام عمل فنى يقصد التأثير على المشاهد وتشكيل رأيه ومعرفته وليس برنامج حوارى أو كتاب يقام حوله نقاشات وحوارات ونقد , فالمشاهد سيتناول الفيلم ويتأثر به ليتشكل له وعي وموقف ثم ينصرف فلا سبيل لإيقافه ومراجعته وتعديل موقفه سواء مستاءاً او مقتنعاً , ومن هنا تأتى خطورة العمل الفنى لذا يجب ان يكون النقد أكاديمياً ممنهجاً وخاصاً بأصحاب الشأن المهتمبن بتلك القضايا الفكرية مع إتاحة الفرصة لهم فى التعبير عن رؤيتهم فى إطار من الإحترام وهذا ما لم يتحقق لطبيعة العمل الفنى التى تقدم جرعة وتأثير على المشاهد سيحملها معه .
طالما منتج الغيلم يتوقع غضب المتدينين البسطاء من جراء هذا العمل كونه يمس مقدسات عزيزة لديهم فلا داعى لأن يخوض فيه إلا إذا كان يرمى إلى تشويه أفكار البعض أو النيل من مشاعر البعض الآخر مستخدماً أدوات مؤثرة من خلال الدراما , لذا يجب أن يكون النقد أكاديمياً بحثيا وقوراً لمن يعتنى بهذا النقد بعيداً عن الإبتذال والسخرية والإسفاف .. كما أدين هذا العمل المتواضع فى إمكانياته الفنية والتقنية لأنه يتعامل مع قضية يستثمر إثارة وتأجيج مشاعر لتحقيق أجندات يبغيها ,وأكاد أجزم بأنه لا يعنيه بالفعل مشاعر المسلمين الغاضبة بل يريد إستثمارها .
نبدأ أسئلة الحوار
* سؤال : هل ترى أن من حق المسلمين كل هذه الثورة والغضب ؟
- بالطبع من حقهم فهناك من يريد الإساءة لرموزهم المقدسة وطالما هو يهدف لهذا فلينال نتيجة غاياته الشريرة .
- لا أرى أى داعى لهذا الهياج والغضب فهو فيلم تافه منحناه دعاية بلا داع فلن ينال الفيلم من الإسلام ولن يقوض من أركانه بل هو بلا أى قيمة إذا صرفنا الإنتباه عنه , وفى النهاية هو عمل فنى لك ان تقبله او ترفضه أو تنصرف عنه .
* سؤال : هل تعتقد أن المتظاهرين الغاضبين شاهدوا الفيلم المًسئ ومنه إنطلقوا غضباً ؟
- ليس بالضرورة شاهدوا الفيلم فمن الممكن ان يتطرق لمسامعهم أن هناك فيلم يسئ لنبى الإسلام مثل الرسومات الدانماركية .. لذا لا أرى أن هذا الأمر ذو أهمية فأمامنا فيلم يسئ لنبى الإسلام .
- استطيع أن أجزم أن الأغلبية الساحقة لم تشاهد الفيلم بل تتطرق لمسامعها فقط ولا أتفق مع زميلى فى أن هذا شئ عادى بل أعتبره عيب جذرى وخطير فى ثقافتنا العربية .. لن أنفى حق المتظاهرين فى الغضب فهذا حقهم ولكن ألفت الإنتباه فى طريقة تعاطينا مع القضايا فنحن ننساق لمقولة ورؤية ورأى وإثارة الآخر دون أن تكون وجهة نظرنا مبنية على أساس من البحث والمعرفة .. نحن نسير وفق ثقافة "قاللوه وقالولى ".
* سؤال : بماذا تفسر إنتاج هذا الفيلم وماهى غاياته ؟
- الإساءة للمسلمين بالسخرية وتحقير وتشويه صورة نبى الإسلام والنيل من مشاعرهم غيظاً وكرهاً .
- لا اعتقد ان الفيلم يعتنى على الإطلاق بإغاظة المسلمين وإثارة غضبهم هو قد يعتنى بذلك ولكن فى توظيفه فقط وسأشرح هذه النقطة لاحقاً .. الفيلم عمل يبغى الإثارة وجنى الأرباح فى المقام الأول فليس من إنتاج وزارة إعلام تبغى نشر رؤية والترويج لها بل هى عملية استثمارية تهدف المكاسب والأرباح , فمنتجه لن يوزعه بالطبع على دور العرض العربية بل يهمه المستهلك الأمريكى لتأتى الإثارة بالإساءة لنبى الإسلام للترويج لهذا العمل وعندما نمارس هذا الغضب والصراخ والعنف ضد السفارات الأمريكية فهذا سيمنح الفيلم شهرة لم يكن يحلم بها .
* سؤال : ماذا سنجنى من هذا الغضب والصراخ والعنف ضد السفارات الأمريكية ؟
- وسيلة ضغط على الإدارة الأمريكية لسحب الفيلم ومصادرته وتقديم أصحابه للمحاكمة فلن نسترد حقوقنا بوضع أيدينا على خدودنا .
- عذراً لا أعتقد أن هذه المظاهرات الصاخبة ستجدى شيئا فهى طحن بلا طحين ونار تأكل نفسها فلا الإدارة الأمريكية ولا الرئيس ولا الكونجرس يستطيعون مصادرة الفيلم ومنع عرضه فهذا مخالف للدستور الأمريكى والحريات , القضاء الأمريكى فقط الذى يستطيع ايقافه وهو يتكأ على الدستور الأمريكى الذى يمنح الحرية للأعمال الفكرية والفنية .
* سؤال : لماذا نثور على فيلم أو رسومات ولا نثور على آلاف الكتب والأبحاث التى تنتقد التراث الإسلامى وربما تكون اكثر حدة.
- بصراحة لا أعلم .. فهل توجد كتب تنتقد الإسلام ونبى الإسلام !!
- لأننا شعوب لا تقرأ ولا تهتم بالقضايا التى تحتاج لمجهود فى البحث فنعتنى بالأعمال السهلة ذالت البروجاندا والميديا العالية.
* سؤال : لماذا ظهرت فى السنين الماضية الأعمال الفنية المسيئة لرسول الإسلام ولم نشهد من قبل على مدار عشرات السنين أعمال كهذه . فهل الغرب لم يعى ويعتنى بالإسلام إلا الآن ؟!
- اعتقد ان الصحوة الإسلامية فى البلدان الإسلامية أثارت حنق الغرب وغيرته فإشتاط غضباً وكراهية .
- اتفق مع زميلى فى ان السبب هو ظهور الحركات والتيارات الإسلامية الأصوليه ولكن لا أتفق فى موضوع الغيرة والكراهية فالقضية أن الإسلام على مدار عشرات السنين لم يثير حوله زوابع , لذا لم يكن مثيراً بالنسبة للصحافة والإعلام وشركات الإنتاج وعندما ظهرت الحركات الإسلامية العنيفة المتطرفة لتمارس أعمال ارهابية نال الغرب منها بعض الحظ تم إلقاء الضوء عليها لتصبح قضية يتناولها الباحثون المحترمون والسفهاء والحاقدون وأصحاب المصالح والأجندات .
* سؤال : لماذا لا يثور المسيحيون ومسيحى الشرق على وجه الخصوص ضد الأعمال التى تسخر من المسيح لتحقره بنعته بإبن الزانية بل هناك افلام بورنو جنسية فجة تصوره بأنه ذو علاقات نسائية بل بعض الافلام الأخرى تصوره شاذ جنسياً ... فلماذا لا يغضب ويثور المسيحيين ؟!
- لا يعنينا سلوك المسيحيين وبرودهم أمام من يسخر وينتهك مقدساتهم فكون دمائهم باردة فهذا شأنهم .
- اختلف مع زميلى فالقصة ليست دماء باردة وساخنه بل تحكيم العقل أكثر من العاطفة فمن حقك ان تغضب وتستاء ولكن ماذا تستفيد بتصعيد وتأجيج غضبك .. ما معنى أن تنقاد لتصرف إنسان احمق يستفزك فألا يدعوه لتكرار هذا الإستفزاز .. هل ننجر لكل تافه يريد ان يحقق شهرة ومصلحة على حساب إثارة غضبنا فنحن نقول بتعبيرنا المصرى " هم سيشتغلونك" ليكرر سخافاته طالما تستفزك كما أنك لن تستطيع لجم كل أحمق أو باحث عن الشهرة .. ثم هل ينال عمل تافه وسخيف من دين أو نبى
* سؤال: هل تجد مغزى فى ظهور الفيلم بتلك الأيام .؟
- ارى ان هذا الفيلم يجئ فى هذا التوقيت كغيرة وغيظ من نجاح الإسلام السياسى وتصاعد وجوده فى الشارع العربى .
- أختلف تماماً مع الزميل فكما قلنا أن الفيلم للمتفرج والمستهلك الغربى ولا يعنيه المستهلك الإسلامى ولكن يوجد بالفعل غايات خبيثة من وراء هذا الفيلم وعرضه فى هذا التوقيت بالذات , فهو يأتى فى ذكرى الحادى عشر من سبتمبر لتجديد تقليب الرأى العام الأمريكى ضد الإسلام والمسلمين بل أقول أن هناك خطة خبيثة لا تعتنى برواج الفيلم فى المقام الأول فأمريكا تشهد صراع إنتخابات الرئاسة الأمريكية لتتوقع شركة الإنتاج أن يثير الفيلم موجة غضب فى البلدان الإسلامية ومع تصاعد وهيمنة الجماعات الإسلامية على الشارع فمن المتوقع ان تتولد موجات غضب حادة بالإعتداء على السفارات والمصالح الأمريكية قد تصل لبعض أعمال العنف ضد أمريكيين وهاقد شاهدنا مقتل السفير الامريكى وثلاثة من مساعديه الأمريكيين فماذا ستفعل يا أوباما فالناخب الأمريكى مازال يحمل نفسية الكاوبوى ؟! .. يمكن القول باى باى أوباما.!!
* سؤال : بماذا تفسر غيرة المسلمين وحميتهم عندما يتم الإساءة إلى نبى الإسلام من فيلم حقير أو رسومات تافهه بينما لا تنتابهم الغيرة عند السخرية من الله ؟!
- لأن الإساءة إلى نبى الإسلام هو طعن وتجريح لمشاعر المسلمين والنيل منها.
- اتفق مع زميلى فى أن المسلمين يستاؤون بشدة من حملات الإساءة والسخرية الفجة من نبيهم وهذا حقهم ولكنه لم يبرر لماذا الغضب لا ينتابهم بشدة عندما يتناول نقد الله .. أعتبر ان هذا يرجع لأن نبى الإسلام هو رمز للهوية الإسلامية كرمز واضح الدلالة ملموس بحضوره التراثى الكاريزمى ليأتى كمحور رئيسى وحيوى محدداً الهوية الإسلامية لذا أى إقتراب ونيل منه يعتبر إعتداء صارخ على مكونات الشخصية المسلمة .
* سؤال : هل تعتقد ان التظاهرات العنيفة وتصاعد العداء للولايات المتحدة على أثر هذا الفيلم سيجعلها تندم على تصعيدها للتيارات الإسلامية السياسية فى الشارع العربى لتراجع سياساتها ؟
- اعتقد أن هناك تحولات ومراجعات سياسية ستشهدها العلاقات الأمريكية العربية فالإسلام السياسى سيُصعد الأمور .
- أختلف تماما مع زميلى فلا أمريكا ستغير نهجها وتعاونها مع الإسلام السياسى ولا الأصوليون الإسلاميون سيبتعدوا عن الحضن الأمريكى فالسياسات والأجندات والمصالح والخطط لن يزعزها فيلم او توترات خائبة , ومن يطلب العسل الوفير فعليه أن يتقبل قرصة نحلة , وحتى قرصة النحلة ستستفيد منها الإدارة الأمريكية فلنا فى أفغانستان مثال رائع . فالولايات المتحدة إستفادت من التيارات الجهادية الإسلامية ومن ضمنها تنظيم القاعدة فى إجهاد الدب الروسى ليسقط الإتحاد السوفياتى وتنفرد أمريكا بالعالم كقطب أوحد فما أعظم تلك الغنيمة حتى لو نالت قرصة 11 سبتمبر ممن ربتهم فى حجرها .. فالحادى عشر من سبتمبر تم إستثماره جيدا بغزو العراق وتحقيق مصالح عظيمة وأجندات كانت متواجدة فى الأدراج .
بالفعل يهمنى فى هذا المقال مشاركة حيوية لتبيان رؤيتنا للأحداث فمن خلال رؤيتنا سنبنى ثقافتنا ورؤيتنا الموضوعية لذا من الرائع ان أستقبل رؤيتكم سواء أكانت ضمن الأراء الواردة أو ذات رؤية مغايرة .
دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع
--------------
* سامى لبيب, مفكر وفيلسوف - المصدر: الحوار المتمدن - www.ahewar.org - العدد: 3851 – 15.9.2012.
|