מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

عن المصداقية والمسكوت عنه في السياسة الداخلية

بقلم: بروفسور مروان دويري*


النضال من أجل الحقوق القومية يجب أن يرتكز على مرجعية أخلاقية وليس على مرجعية قبلية، وبالتالي يلزم أصحابه استنكار كل موقف لا أخلاقي حتى لو كان صادرا عن طرف فلسطيني

 ألقى د. خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خطابا قبل أسبوع بمناسبة الذكرى الـ 25 لتأسيس حماس، ومما جاء فيه: "فلسطين من بحرها لنهرها، شمالها لجنوبها، ارضنا ووطننا لا تنازل ولا تفريط بأي شبر او جزء منها، لا يمكن ان نعترف بشرعية احتلال فلسطين... لا شرعية لإسرائيل مهما طال الزمن... فلسطين لنا لا للصهاينة". وأضاف "فلسطين ستبقى عربية اسلامية... وتحرير فلسطين، كل فلسطين، واجب وحق وهدف وغاية... المقاومة المسلحة هي الطريق الصحيح لاستعادة الحقوق ومعها كل اشكال النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني، ولكن لا قيمة لهذه الاشياء بدون مقاومة". وفي اشارة الى نموذج صاروخ من طراز "ام 75" المنصوب على المنصة قال مشعل ان لهذا الصاروخ "دلالة رمزية ان السياسة تولد من رحم البندقية". وهدد أن تصل هذه الصواريخ إلى حيفا وبقية المدن الإسرائيلية. 
وفي الجبهة الشمالية مشهد مشابه يلقي فيه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بين الحين والآخر أمام جماهير غفيرة، خطابات مشابهة يهدد فيها بقصف مدن "الكيان الصهيوني" حتى تل أبيب وإيلات. ويعد أن تقوم المقاومة بتصفية هذا "الكيان".
وفي الجبهة الشرقية مشهد آخر يطلق فيه الرئيس الإيراني محمود احمدي النجاد تصريحات مختلفة حول "أكذوبة المحرقة"، وتهديدات بمحو إسرائيل من الخارطة.

طبعا كل طرف ينطلق من موقعه ومصالحه وعقيدته، التي لست بصددها الآن، ولكنني بصدد موقف القيادات السياسية

بناءً على معرفتي للمواقف السياسية للأحزاب العربية والعربية-اليهودية الممثلة في الكنسيت أفترض أن هذه التصريحات تتعارض بشكل سافر مع برامج هذه الأحزاب التي تنطلق من مرجعية المواطنة وقيم المساواة بين اليهود والعرب وقيم حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. وهي تعمل جادة على جميع الصعد لإسماع صوتها بهذا الصدد وإقناع الرأي العام اليهودي والعالمي بعدالة قضيتنا. ومع هذا هل تستطيع هذه الأحزاب السكوت عن مثل هذه التصريحات وكأن الأمر شأن خاص بين إسرائيل وحماس أو حزب الله أو إيران لا يخصنا؟ وكأننا نناضل خارج هذه المنطقة؟

إن لسكوت القيادات العربية المحلية والمثقفين والكتاب والإعلاميين العرب عن مثل هذه التصريحات نتائج متعددة:

أولا، السكوت يترك الجمهور العربي عرضة للانسياق وراء هذه التصريحات، التي ربما تدغدغ العواطف والغرائز والأمنيات، وبالتالي يتيح هذا السكوت تضليل الجمهور وحرفه عن طريق النضال التي تقوده هذه الأحزاب.

ثانيا، يتيح هذا السكوت للإعلام الإسرائيلي خلط الأوراق ووضع القيادات العربية في صف أحمدي النجاد وحسن نصرالله وخالد مشعل، ليوهم الرأي العام اليهودي أن القيادات العربية هي طابور خامس للقضاء على إسرائيل، مما يضعف أو يجهض بالتالي كفاح هذه القيادات في قضايا المساواة والسلام ويجعل خطاب المواطنة يبدو غير صادق. 

ثالثا، يعطي هذا السكوت انطباعا بأن القيادات العربية تنتهج الشعبوية وتطلق التصريحات النارية التي تدغدغ العواطف لتحظى بالتصفيق، وتتحاشى اتخاذ مواقف مسؤولة وجريئة وبالتالي تخفق في توعية جمهورها وتجنيده في طريق نضالي ملتزم بأخلاقيات واضحة ومثابرة.

ليس دور القيادة الانجرار وراء عواطف الناس لتحظى بشعبية أكبر، بل إن دورها قيادة الناس والأخذ بها في طريق نضالي مسؤول وجريء يرعى مصالح الناس لكنه معتمد على تقييم للواقع السياسي وعلى أخلاقيات إنسانية واضحة. التمسك بأخلاقيات واضحة وثابتة هي مصلحة وأداة وغاية في نضال جميع الأقليات من أجل حقوقها. الطرف القوي "يستطيع" التلاعب بالأخلاقيات والمراوغة فيها لأنه يملك القوة والسيطرة. أما الطرف الضعيف فعليه في مسيرة نضاله التمسك حتى آخر حرف بمرجعياته الأخلاقية الإنسانية التي تدعم موقفه من أجل الحرية والعدالة والمساواة. أما حين تصبح هذه المرجعيات متقلبة أو مغمغمة فيخسر الطرف الضعيف أهم الأوراق في نضاله ويفقد مصداقية المطالبة بحقوقه.

المعادلة التي تصنف كل ما هو إسرائيلي أو أمريكي شرا وكل ما هو فلسطيني أو عربي أو إسلامي خيرا، هي معادلة قبلية وتعصبية وطبعا غير صحيحة. تصنيف الخير والشر لا يتم بشكل اصطفافي قبلي مع هذا الطرف ضد ذلك الطرف، بل وفق معايير أخلاقية. فإذا كان من حق الشعب الفلسطيني أن يقرر أنه شعب وبالتالي يحق له تقرير مصيره، فوفق نفس هذه المرجعية الأخلاقية يكون من حق اليهود أن يقرروا أنهم شعب وبالتالي يحق لهم تقرير مصيرهم. وإذا كنا ضد قصف المدنيين في غزة فعلينا حتما أن نكون ضد قصف المدنيين في تل أبيب. وإذا كنا ننطلق في نضالنا كمواطنين في إسرائيل من مرجعية المواطنة وحقوق المواطن فعلينا أن نسمع صوتنا ضد كل من يريد القضاء على هذه الدولة وعلى من فيها من مواطنين يهودا كانوا أو عربا حتى لو كان هذا الطرف فلسطينيا أو عربيا أو مسلما. وإذا كنا نعترف بحق اليهود في تقرير مصيرهم وفي نفس الوقت نؤيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين فعلينا أن نقبل بتسوية بين هذين الموقفين ولا يجوز لنا، ما دمنا نتمسك بكلا الموقفين، أن نتموقع مرة مع المواطنة الإسرائيلية متجاهلين حق العودة، ومرة أخرى مع حق العودة متجاهلين المواطنة وحق اليهود في تحقيق مصيرهم. وإذا كنا نرفض منع العرب من السكن في الكيبوتسات اليهودية والتجمعات السكنية اليهودية فلا يمكننا أن نمنع اليهود من السكن في القرى والمدن العربية. والأمثلة كثيرة حول ضرورة اتساق مواقفنا ضمن مرجعية أخلاقية واضحة وثابتة.

هناك من يقول ان مواقف القيادات السياسية المحلية معروفة بأنها لا تتفق مع مشعل ونصرالله والنجاد فما الداعي لأن تستنكر هذه التصريحات؟ حسنٌ، إذًا لماذا تستنكر كل تصريح عنصري لنتنياهو وليبرمان وغيره، أليست مواقفها معروفة أيضا من هذه التصريحات؟ إن خطاب استنكار الاستيطان وقصف غزة وتصريحات قوى اليمين العنصرية  دون استنكار التصريحات العنصرية لمشعل ونصرالله والنجاد من على جميع المنصات الإسرائيلية والعربية يبقى خطابا مبتورا، يوحي بالمراوغة والرقص في أكثر من عرس في آن واحد. 

ليس في مثل هذا الطرح مطابقة بين المعتدي والمعتدى عليه، بل فيه دعوة للخروج من الاصطفاف في دوائر الانتماءات القومية أو الدينية بعقلية "الذي ضد عدوي هو صديقي"، وفيه دعوة للتمسك بمرجعية أخلاقية تعطي للمعتدى عليه مصداقية وتفوقا على المعتدي الذي نطمح لكشف أخلاقياته المتدنية.

-----------

* المصدر: www.aljabha.org -  15.12.2012.

 

12/20/2012