يقلق الانقسام الفلسطيني السياسي – الجغرافي جميع أبناء شعبنا وأصدقائنا المخلصين، خاصةً بعد دخوله العام الثاني، دون بوادر عودةٍ إلى الوراء، بل بمؤشراتٍ لاستمراره وتعمقه.
ومن ناحية، يؤلم هذا الانقسام أهل غزة أكثر من غيرهم، لما يصاحبه من حصارٍ وإغلاقٍ وعقوباتٍ جماعية. ولكنه يؤلمنا جميعاً لما يعنيه من مخاطر استراتيجية على القضية الفلسطينية التي استطاع شعبنا حمايتها من الأعداء الخارجيين، وها هو يفشل في حمايتها من الأعداء الداخليين والمخاطر الداخلية.
وينشأ سؤال خطير، يشغل بال السياسيين والمحليين حول ما إذا كان هذا الانقسام مؤقت وقابل للعودة إلى الوراء، أم أنه دائم ومستمر وغير قابل للعودة إلى الوراء.
وبالرغم من العوامل العاطفية، إلا أن المؤشرات الموضوعية والعقلية تشير إلى أن مرور الزمن يعمق ويعزز هذا الانقسام، وإن احتمالات "رأب الصدع" أو "إعادة اللحمة" أو "المصالحة الوطنية" أو "تشكيل حكومة الوحدة الوطنية"، تبدوا أبعد وأقل مع كل يوم جديد. فما هي الأسباب؟
لقد أطاح الصراع العنيف الداخلي الذي تفاقم وتفجر في تموز من العام الماضي الإنجازين الوحيدين للشعب الفلسطيني في تاريخه المعاصر – تحديداً بعد نكبة 1948 – وهما: أولاً وجود قيادة يعترف الشعب الفلسطيني، والعالم الخارجي بقيادتها وبوحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني. وثانياً الإجماع الفلسطيني على برنامج سياسي متوافق مع الشرعية الدولية والإجماع العربي.
ولقد توازى وتوافق هذا العامل، بل وربما نتج جزئياً عن، العامل الثاني والذي لا يقل أهمية، وهو السياسة والممارسة والمصالح الإسرائيلية. فمنذ تولي شارون الحكم في إسرائيل، تغيرت الاستراتيجية الإسرائيلية من القبول بمبدأ التسوية القائمة على أساس دولتين، إلى استراتيجية تهدف إلى إلغاء احتمال إقامة دولة فلسطين عن طريق تفتيت وتقسيم الأراضي المنوي إقامة الدولة عليها أي الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.
فقد سحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع غزه، وعزلتها تدريجياً عن إسرائيل، ولكن الأهم عن الضفة العربية، ولم تبقِ لها خياراً غير الارتباط التدريجي بمصر والانفصال التدريجي عن الضفة.
وبشكل موازٍ عززت من سيطرتها - بالذات الأمنية – على الضفة، التي تعمل على قسمها إلى جزء داخل الجدار – ويحتوي على الكثافة السكانية، وجزء خارج الجدار يتضمن القدس والأجزاء المعدة للتوسع الاستيطاني والضم. ويشير السلوك الإسرائيلي إلى النية لتعزيز ما يسمى "بالتقاسم الوظيفي" بدل التقاسم الجغرافي، حيث تترك للسلطة، وربما مستقبلاً لجهات أخرى مسؤوليات معينة ومحددة تجاه السكان داخل الجدار، مثل الخدمات التعليمية والصحة ...الخ. وتحتفظ لنفسها بالمسؤولية الأمنية والمسؤولية عن إدارة الأراضي والموارد الطبيعية خاصة المياه وربما غير ذلك أيضاً.
إن التوافق الظاهر بين تأثير السياسات الإسرائيلية وتأثير المجريات الداخلة الفلسطينية، مع تشعباتها الإقليمية، تشير إلى احتمال استمرار المنحى الخطير في الواقع الفلسطيني الذي دخل في عامه الثاني.
لقد أدت سياسة إسرائيل التي أفشلت عملية السلام، وطريقة إدارة قيادة فتح للمفاوضات وللسلطة الفلسطينية إلى تنامي قوة حماس. وأدت سيطرة حركة حماس وطريقتها في إدارة الصراع الداخلي وعلاقاتها الإقليمية وأجندتها الأيديولوجية إلى الانقسام الخطير الذي نعيشه.
الخروج من هذه الورطة، وهو أمر غير متوقع في المدى المنظور للأسباب المذكورة، يتطلب تمكن الشعب الفلسطيني صاحب المصلحة بالوحدة الوطنية من الضغط وفرض أجندته الوحدوية على القيادات التي غلبت في المراحل المتتالية مصالحها الضيقة على المصلحة العامة. وكذلك يتطلب مواقف وسلوك أكثر استقلالية عن المؤثرات الدولية والإقليمية والتي ما زالت تساهم في تكريس الانقسام الذي إذا استمر سيكون له أثر مدمر ربما يوازي أثر النكبة قبل ستون عاماً.
*عضو المكتب السياسي
حزب الشعب
حزيران 2008