מאמרים
היסטוריה, זיכרונות
תרבות
Français English عربى  Etc.

 

في الذكرى الأولى لرحيل الدكتور حيدر عبد الشافى – 10 يونيو 1919- 24 سبتمبر 2007

 

في الذاكرة*   /  المهندس إبراهيم الدقاق, القدس.

حيدر عبد الشافي

 
 

ليس هذا رثاء لحيدر عبد الشافي، لكنه تعزية للذين فقدوه فافتقدوهزوجته الفاضلة وابنته وأبناؤه الثلاثة، وزملاؤه ورفاقه ومحبوه؛ ومعهؤلاء كلهم شعبه الفلسطيني الذي أحبه وكرّمه في حياته وفي مماته. أغمض حيدر عبد الشافي عينيه بعد أن نال منهما العبث الجاري على الساحة السياسية.

لا تستطيع معرفة حيدر عبد الشافي بما تسمعه عنه، أو إذا صادف أن التقيته في لقاء عابر. أنت تقترب من معرفة حيدر عبد الشافي إذاعايشتهوكان لي شرف الاقتراب منه ومعايشته في بعض نشاطاته في الميدان العام. والميدان العام واسع يضم النشاطات الاجتماعية والسياسيةونشاطات أُخرى. أقول: اقتربت منه وعايشته في الجبهة الوطنية الفلسطينية، وفي مجلس التعليم العالي في فلسطين )قبل قيام السلطة(، وفي نشاطلجنة التوجيه الوطني، وفي الملتقى الفكري العربي،  وفي مجلس أمناء جامعة بير زيت، وخلال ترؤسه الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد سنة 1991، وخلال مفاوضات واشنطن. واشتركنا معاً في لقاءات على المستويين المحلي مع أهلنا في فلسطين، ومع الإسرائيليين، وفي أُطر دوليةرعتها الأمم المتحدة، أو مؤسسات دولية. ولبينا دعوة إلى زيارة موسكو ولينينغراد، وزرته في بيته في الرمال في غزة، وزارني في بيتيوعرفتعائلته وعرف عائلتي؛ ونشأت مودة:  مودة المحبة الشخصية، ومودة المشاركة والزمالة والأخوة. عايشت حيدرعبد الشافي وبقينا على اتصال حتىبعد إغلاق إسرائيل القطاع على أهله.  وفي الحالة الأخيرة كان الهاتف وسيلتنا.

* * *

حياة حيدر عبد الشافي أوسع من أن تعبّر عنها كلماتفهي حياة إنسان عرك الحياة وعركته، فعجزت الكلمات عن التعبير عن مضمونها.وكان حين يتحدث عن ذكرياته يطوف على أحداث مثيرة شارك فيها أو شهدها، أو يستعيد بعض أبعادهاوأذكر أنه تحدث عن علاقته بالأميرطلال بن عبد الله )الملك طلال فيما بعد) بعد انخراطه طبيباً في الجيش الأردني في إثر تخرجه من الجامعة الأميركية في بيروت، وتحدث عنبعض أفكار الأمير وهواجسه وشكوكهفقد كان الأمير من زملائه في الوحدة التي خدم فيهاترك الخدمة في الجيش، إذ كان الجيش أضيق منطموحاته، وأخفض سقفاً من تطلعاته. تخصص بالجراحة في الولايات المتحدة بعد ذلك، ليعود إلى غزة، كي يبقى فيها لأنه أراد البقاء فيها. وتستمرحياته فيها مرشداً وموجهاً وناصحاً، بالإضافة إلى ممارسة مهنته. ويحمل شرف الشخصية الوطنية في القطاع، والمرجعية الموثوق بها، ليُنتخبرئيساً للمجلس التشريعي في إبان الإدارة المصرية، وليصبح عضواً مؤسساً لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد ذلك، وعضواً في لجنتها التنفيذيةلكنهلم يجد في الأخيرة طموحهكان معنياً ببناء دولة فلسطينية سيادية مع الإصرار الشديد على إشاعة الديمقراطية الحقة فيهالكن المناخ السائد فيالمنظمة لم يرقَ إلى طموحه، فتركها.

* * *

بعد احتلال إسرائيل بقية فلسطين في حزيران/يونيو1967 بقي في موقعه، في المقدمة. كان الاحتلال عائقاً للدولة التي حلم بها، وكانالتخلف عائقاً آخر. تخلصت إسرائيل من نشاطه بالنفي مرتين: مرة إلى النقب ومرة إلى لبنان. لكنه عاد، ليستأنف نشاطه. وعلى الرغم من العنتالذي لاقاه من الاحتلال ومن غيره فقد استمر في عطائهفبادر إلى إنشاء جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. وبعد إنشائه لها ونجاحه في قيادتها،أصبح الهلال الأحمر في غزة مطمع الطامعين من الاحتلال، ومن بعض الذين عز عليهم نجاحهشب حريق في المبنى الذي يشغله الهلال فتحوّلبمحتوياته إلى ركام. وعلى الرغم من ذلك فقد أعاد بناءه، وقاده من نجاح إلى نجاح حتى مماته. وللوقوف معه، وتضامناً مع الهلال الأحمر،سافرت مع مأمون السيد – رئيس تحرير صحيفة  المقدسية » الفجر « آنذاك – من القدس إلى غزةكانت غزة عندما وصلنا إليها أشبه بمدينةأشباح، والمرور بشوارعها أشبه بالمرور داخل مدينة ضربتها الأعاصيرلا إنسان في الشارع، ولا أماكن مفتوحة، ولا سيارات تتحرك. وصلناإلى بيته، وكان مع عائلتهكان هادئاً مستريح البال كعادته. وفي مجرى الحديث معه، ذكر لنا أن القائد العسكري الإسرائيلي أرسل جنوداً لحراستهمن خطر الاغتيال. هكذا زعم القائد العسكري. لكن حيدر رفض عرض القائد وطلب منه سحب جنوده فوراً، وتم له ما أراد. واستمر صامداً مععائلته يتحدى القدر. وفي حينه عرفت اسم مشعل النار والساعي إلى الفتنة.  كان أحد المنتمين إلى أحد التنظيمات الفلسطينية أو إلى أحد الأجهزةالأمنية الإسرائيلية، والأمر سيان. فقد فشل مشعل النار في إحداث الفتنة التي سعى إليها، ومات لاحقاً، ونسي كثيرون إسمه، لكنهم ما زالوا يذكرونوقفة حيدر عبد الشافي التي أفشلت المؤامرة.

* * *

كان علينا، نحن الذين بقينا تحت الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967 ، أن نتداول أمورنا وأن نساهم في حل المشكلات التي نشأت.  سارتالأمور على مستويين في البداية، واجهت غزة الوضع الذي استجد بعد حزيران/يونيو بالمقاومة المسلحة، بينما اختارت الضفة الغربية طريق المقاومة السلمية.  ونشأت الجبهة الوطنية المتحدة لتقود العمل في غزة.  وتحرك ضباط وجنود جيش التحرير الفلسطيني الذين بقوا فيها للقيامبواجبهم الوطني. دخلوا في مناوشات مع الاحتلال، لكنها كانت محاولات يائسة. تبعثرت القوى المسلحة الفلسطينية، واستشهد من استشهد، وهرب من هرب من بطش الاحتلال.  لكن أحد ضباط جيش التحرير الفلسطيني )زياد الحسينيالتجأ إلى بيت المرحوم رشاد الشوا في غزة، لتصيبهرصاصة في الرأس بعد فترة وجيزة ويموت.    كثرت الظنون بشأن الفاعل، وكثرت الاتهامات.   دعا المرحوم رشاد الشوا الدكتور حيدر عبدالشافي إلى فحص الحالة، فتأكد من انتحار الضابط، وبرّأت شهادته مَنْ وُجِّه إليهم إصبع الاتهام، أو دارت حولهم الشكوك.

على الرغم من نضال الجبهة الوطنية المتحدة ومؤسسات الضفة الغربية، فإن الاحتلال الإسرائيلي لم ينسحب من غزة ولا من الضفةالغربية. كما أنه لم يستجب للمحاولات الخارجية والداخلية الداعية إلى التزام القرارات الدولية التي تنص على ذلك. وكانت النتيجة نشوب حربتشرين الأول/أكتوبر 1973. تحركت الفئات المعنية بمصير البلد لدراسة النتائج واستخلاص العبر.  وعقد اجتماع في بيت حيدر عبد الشافيمساء يوم 12 كانون الأول/ديسمبر 1973 ، في الشرفة الخلفية من البيت. حضر الاجتماع كريم خلف، وعبد الجواد صالح، وأحمد حمزه النتشه،وزهير الريس، وخلدون عبد الحق، وكنت بين الحضور. قرأ حيدر مسودة رسالة موجهة إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تبين وجهةنظر الداخل في المواقف التي يرى اتخاذها في ظل التطورات التي استجدت، وكان في مقدمها تبعات حرب تشرين الأول/أكتوبر على الوضعالفلسطيني. جرى نقاش مسؤول، وكان من الاقتراحات التي قبلت، ضرورة إعادة صوغ الرسالة، وضرورة صوغ النظام الأساسي للجبهة. كُلِّفتُمع زهير الريس إعادة عملية الصوغ وتضمينها رفض اعتبار الأرض المحتلة "أرضا متروكة" (Terra Nullus) - كما أشاعت إسرائيل – وأنهالا تعود إلى الشعب الفلسطيني؛ أي أن الأرض الفلسطينية خالية من السيادة، وأن لإسرائيل الحق الأول فيها استناداً إلى دعاواها التاريخية والدينية.تمت عملية الصوغ الجديدة كما اتفق، لتتلقفها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وتنشرها في عدة وسائل إعلام في نيسان/أبريل 1974.

جاءت نتائج حرب 1973 السياسية على عكس النتائج العسكرية؛ فقد زار الرئيس السادات القدس ليقلب، بزيارته تلك، النتائج الإيجابيةويحولها إلى حركة سعت للتوافق مع إسرائيل على مبادئ سبق  أن رفضها العرب، وانتهت بتوقيع اتفاق سلام منفرد بين مصر وإسرائيل في سنة 1979.

تلقت الجبهة الوطنية من الاحتلال العديد من الضربات الموجعة.  فقد أبعدت إسرائيل كثيرين من قادتها والعاملين في إطارها، وتمتملاحقة آخرين بالسجن والإقامات الجبرية. لكن جذوة النضال بقيت مشتعلة.   وفيما بين سنة 1973 وسنة 1979 جرت عدة أمور، كان منأبرزها عقد قمة الرباط في سنة1974 ، ودعوة إسرائيل إلى إجراء انتخابات للبلديات والمجالس القروية في الضفة الغربية.  وقد جندت الجبهةالوطنية طاقات كبيرة للتعامل مع الحالتينأعد حيدر عبد الشافي مذكرة موجهة إلى القمة تشدد على وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينيةللشعب الفلسطيني ورفض أي مشاركة في التمثيل من أي جهة عربية. ووقّع المذكرة عدد كبير من قادة المجتمع المدني ورؤساء المجالس البلديةوأعضائها. وفي رحلتي إلى دمشق، قابلت ياسر عرفات في بيت عبد المحسن أبو ميزر، وكان ذلك في رمضان سنة 1974 وأعلمته بما أعددنا،فوقف منتشياً وقال "دي حتفرقع الدنيا". وكانت النتيجة كما توقع الجميع؛ فقد كانت المذكرة التي اعتمدها مؤتمر قمة الرباط فاتحة لمزيد منالانتصارات للفلسطينيين.

لم تقف إسرائيل مكتوفة اليدين، فدعت إلى انتخابات للمجالس البلدية والقروية آملة بإبراز قيادة بديلة من منظمة التحرير. حشدت الجبهةالوطنية إمكاناتها لخوض المعركة، فاكتسح مرشحوها الأغلبية العظمى من مقاعد تلك المجالس.  وقد أصيبت إسرائيل بخيبة أمل، وأصيبتالولايات المتحدة بالمثل.   بدأت إسرائيل حملة ضد البلديات الوطنية المنتخبة، ولم توقف حملتها ضد الجبهة والمنتسبين إليها، إلى أن توقفت الجبهةعن العمل بعد الضربات الشديدة التي تلقتها. وشنت منظمات يمينية إسرائيلية متطرفة في وقت لاحق حملة تفجيرات كان بين ضحاياها المرحوم كريم خلف الذي فقد جزءاً من قدمه، وبسام الشكعة الذي فقد ساقيه، ونجا آخرون.

كان توقف الجبهة حافزاً على استمرار بذل الجهود لإعادة بنائها على أسس جديدة. جرت مشاورات في دمشق بين الفصائل الفلسطينيةتمحور معظمها حول الحصص وصناعة القرار وضمان سيطرة الخارج الفلسطيني على القرار الفلسطيني في الداخل. وحدثت اتصالات في الضفةوالقطاع لتنسيق الجهود والعودة إلى الوضع الجبهوي.  واستغلت القوى الوطنية تطورات الموقف الدولي والعربي بعد زيارة السادات للقدس فدعتإلى لقاء في تشرين الأول/أكتوبر 1978 في مجمع النقابات المهنية في بيت حنينا في القدس لمناقشة الوضع كُلِّفت شخصياً إدارته. حضر اللقاء ممثلون عن التشكيلات الاجتماعية والسياسية والدينية، وكان في مقدمهم المرحوم الشيخ حلمي المحتسب، والنائب البطريركي للروم الكاثوليكالمطران لطفي لحام، ورؤساء البلديات والمجالس القروية.   وأُطلق على الاجتماع   "مؤتمر القدس". كان موقف الحاضرين واضحاً برفض زيارةالسادات للقدس، وإن اختلفت الآراء بشأن الخطوات العملية لزيادة التنسيق بين القوى الحاضرة من أجل مواصلة النضال. وكان التتويج اقتراحاًبتأليف لجنة متابعة.

في اجتماع اللجنة الأول في مجمع النقابات، اقترح حيدر عبد الشافي أن تكون اللجنة علنية، وأن تمارس النضال جهاراً نهارا. وأشار أحدالحاضرين إلى وجود قانون كانت حكومة سليمان النابلسي أصدرته في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي يقضي بتأليف لجان للتوجيه الوطني، من الممكن الاستفادة منه في حالة المواجهة مع سلطة الاحتلال. وبناء على ذلك تمت تسمية "لجنة التوجيه الوطني", وأعلنت أسماء أعضائها.

كان من النشاطات التي قامت بها اللجنة عقد مؤتمرات في جامعة بير زيت، وفي جامعة النجاح في نابلس، وفي جامعة بيت لحم. وكانتتزمع عقد اجتماع في غزة، لكن التهديد بإغلاق القطاع وتدمير السيارات القادمة والاعتداء على الآتين من الضفة للمشاركة في الاحتفال، أدى إلىتغيير الخطة والتخلي عن عقد الاجتماع.

واجهت لجنة التوجيه الوطني، التي أعلنت منذ البداية أنها ذراع منظمة التحرير في الأرض المحتلة، صعوبات في التعامل مع قيادةالمنظمة في الخارج. وفي جلسة في بيتي جمعتني بحيدر عبد الشافي أسرّ إلي بتخوفه من سعي القيادة لتوظيف اللجنة في خدمة تطلعاتها السياسية.وجاء تخوفه نتيجة الضغوط السياسية العربية والخارجية لحرف مسارها النضالي.  وكان من رأيه أن بُعد قيادة اللجنة عن الضغوط الخارجية يشكلمتنفساً لقيادة المنظمة في الخارج، ويسمح للأولى بتقديم الدعم للثانية في حالة تنامي الضغط.  اختلفت الرؤيتان الداخلية والخارجية، وكان ما كان، وهذا حديث آخر ليس هنا مكانه.

لم تتوان السلطة الإسرائيلية عن التنكيل باللجنة وأعضائها، وخصوصاً بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 . وكان شارون، وزيرالدفاع الإسرائيلي آنذاك، قد انتوى – كما صرح قائد الضفة الغربية في الجيش الإسرائيلي – "القضاء على البرعم في مطلعه." وكان البرعم الذيتحدث عنة شارون القيادة الوطنية في الداخل. ولم يترك وسيلة لضرب اللجنة إلاّ لجأ إليها.  توقفت اللجنة عن القيام بأي نشاط،, لكن الفلسطينيينعبروا عن سخطهم بالانتفاضة الشعبية العظيمة التي تفجرت سنة 1987.

 

* * *

دعت الولايات المتحدة إلى عقد مؤتمر مدريد في 30 تشرين الأول/أكتوبر1991.  طلبت قيادة المنظمة من حيدر عبد الشافي ترؤس الوفدالفلسطيني في إطار وفد أردني – فلسطيني مشترك برئاسة كامل أبو جابر )وكان يرئس الوفد الأردني عبد السلام المجالي). حضر حيدر إلى القدس لإجراء التشاور، واجتمعت به مع المرحوم بشير البرغوثي في الفندق الوطني، وكان كلانا مؤيداً للقبول بالتكليف.  وفي ظني أنه شاورآخرين قبل أن يعلن قبوله الرسمي بالتكليف.  وفيما بين اجتماعات المفاوضات كان يحرص على القدوم إلى القدس  وكان يبدي تبرمه من رئاسةالوفد الأردني، وعدم رضاه عن مواقف قيادة المنظمة، التي كانت في حقيقتها بعيدة عن قناعاته وقناعات الحركة الوطنية في الأرض المحتلة،وبعيدة عن تصريحاتها الرسمية.  وتبين أنه كان محقاً في شكه على الرغم من استمراره في أداء مهمته.    فقد تم إعلان اتفاق أوسلو، ولم يكن عبدالشافي على دراية بما كان يجري في الخفاء.  وفي وقت لاحق تبين أن المرحوم بشير البرغوثي كان على علم بالنتيجة قبل إعلانها رسميا.  فقدبلّغه المرحوم ياسر عرفات مضمونها في جلسة بينهما في تونس.

عاد حيدر عبد الشافي إلى حدس الشارع وكان الشارع هو المكان الذي يستريح إلية.  حاول إنشاء "حركة البناء الديمقراطي", وطلب منيالانضمام إليها، لكنني ابتعدت لقناعتي بعدم الجدوى. غير أنه سار في الطريق حتى وصل إلى قناعة بأن الاستمرار في الحركة وصل إلى طريق مسدود. وأسرّ إليّ في حينه بأن بعض أفرادها يسعى وراء مصالحه الخاصة.

كانت آخر محاولاته السياسية نشاطه في المجلس التشريعي الفلسطيني الذي انتُخب عضواً فيه، والذي استقال منه لغياب الممارسةالديمقراطية وعدم تنفيذ قراراته بسبب هيمنة السلطة التنفيذية. وودّع الحياة السياسية، وأغلقت إسرائيل القطاع على من فيه، وكان ذلك نهايةاللقاءات بيننا.

* * *

تدخل قراءة حيدر عبد الشافي وفكره في نطاق السهل الممتنع. كان حيدر صلباً في لين، وليناً متمسكاً بقناعاته الوطنيةفهو نسيج من إنسانعروبي ماركسي إسلامي، رأى فيه أتباع هذه التوجهات ما يريحهم، وأنكروا عليه عدم الانتماء إلى أي منها.  كان توليفة جامعة مانعة بناها علىقاعدة من القيم الإنسانية، مستلهماً المكان والتاريخ العربي الإسلامي. وبتعبير آخر:  كان في سلوكه أصيلاً، تنبع أصالته من جدلية العلاقة بينالتمسك بالحق وبين الكياسة في الوصول إليه، أو ما أسميه إصرار المناضل للوصول إلى ما يؤمن بأنه الحق، بخلق عال وسلوك حضاري. كاننسيجه الفكري والنفسي هو "الشيء" الذي لم تعرفه الحركات والفصائل الفلسطينية، ولم تفهمه، ولم تتمكن من الوصول إليه.

طبت يا حيدر في حياتك، وذكراك باقية أبدا.

-------------

* إهداء الكاتب؛ المقال نشر في: حوليات القدس (العدد السادس  شتاء  ربيع 2008)

 
1/8/2018