... وبدأ "عصر ليبرمان"
فلسطينيو إسرائيل... رهائناليمين المتطرّف
بقلم يوسف الغازي ودومينيك فيدال
("لوموند ديبلوماتيك" / 5 ايار 2009)
في نهاية مارس/آذار وصل زعيم اليمينالمتطرّف الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.هذا في حين اعترضت أوروبا بالإجماع تقريباً يوم دخل يورغ هايدار وأصدقاؤه من الحزبالليبرالي (FPO) الحكومة النمساوية في عام 2000. وهو - وياللعجب - ما لم تفعله هذهالمرة. رغم أنّ الزعيم ذي الأصل الروسي قد كرّر، انسجاماً مع سياسة حزبه "إسرائيلبيتنا"، وطوال الحملة الانتخابية، التصريحات العنصرية تجاه فلسطينيي إسرائيل. ومااستوقف الغرب خصوصاً هو البيانات الأولى لرئيس الدبلوماسية الجديد التي رمى إلىالمهملات فيها كلّ الاتفاقيات التي وقّعتها دولته في السابق، بما فيها نتائج مؤتمرأنابوليس، ذلك المؤتمر الإعلامي البحت. وفي الواقع، أثارت هذه التصريحات الصدامالأوّل مع إدارة باراك أوباما التي تسعى لتحقيق انفراجٍ في الشرق الأوسط. لكن فيمايتعلّق بالسياسات الداخلية، فإن انتقاد ليبرمان لشرعيّة مواطنة الفلسطينيينالإسرائيليين، واقتراحه "ترحيلهم" يخلق في نهاية المطاف أخطاراً بتغذية صداماتأخرى، هذه المرّة دموية بين المواطنين اليهود والعرب.
الوفاء للدولة: إنّها اللازمة التي يردّدها دوماً،لكنه لا يوضِحها أبداً. لدرجة أنّنا سألناه قبل مغادرته: "لنفترِضْ أنّك تواجدت فيألمانيا أيام النازيّة. فلمن كنت ستكنّ الوفاء؟". أجاب دون أن يرفّ له جفن: "إلىالدولة". هذا الجواب، الذي عبّر عنه داخل البرلمان، في القدس، يثير الدهشة. أضِفأنّ محاوِرَنا روى لنا كيف أنّ والده ترك الرّايخ الثالث فور وصول هتلر إلى السلطة.فلْيَفهمْ من يستطيع...
كان هذا هو نائب رئيس البرلمان، الذي يرتقب أن يترأسلجنة القوانين البرلمانية الجديدة، المحامي دافيد روتيم، أحد المقرّبين من أفيغدورليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، والذي يردّد وراءه مضمون كلّ خطبه الانتخابية. "سواء كان يهوديّاً، مسلماً أو مسيحياً، على المواطن أن يكون وفيّاً تجاه الدولة.وإلاّ فهو ليس بمواطن". ثمّ ليتهجّم، في سياق كلامه، على الحاخام ماير هيرش، المذنبلمجرّد لقائه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد [1]، كما على النواب العرب الذين تجرّؤوا على التظاهر ضدّ المجزرة التيارتُكِبَت في غزّة.
من هنا الاقتراح التالي للحزب: أن يقسِم كلّ إسرائيليٍاليمين على العلم (الذي يحمل رسم "نجمة داوود"، رمز اليهوديّة) وأن ينشد النشيدالوطني (الذي يتحدّث عن "الروح اليهوديّة") وأن يؤدّي، إذا ما اقتضى الأمر بشكلٍمدنيّ، الخدمة العسكرية (وليس العرب، باستثناء الدروز وبعض البدو، وأيضاً اليهودالمتشدّدون، ملزمين حتّى الآن بها).
شعاره الانتخابي معبّر جداً: "وحده ليبرمان يتكلّمالعربيّة". ويعلّق المؤرّخ شلومو ساند: "في مولدافيا مسقط رأسه، كان يمارس مهنةحارسٍ مكلّفٍ طرد المشاغبين في النوادي الليلية. الآن، إنهم العرب الذين ينويطردهم". إلاّ أنّ هذه الدعابة تهمل ميّزة خاصّة بالحزب الروسي [2]: إذ لا يقتصِر المشروع الرسمي لهذه الحركة على طردالفلسطينيّين [3] - كما في العام 1948-، إنما على ضمّ الأراضي التي يتركّزون فيها إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية؛خصوصاً شمال المثلّث، منطقة أم الفحم وضواحيها. وفي المقابل، ستضمّ إسرائيلمستوطنات الضفة الغربية، بدءاً بتلك المحيطة بالقدس الشرقية.
ذلك أنّه، بعكس الليكود، يأخذ حزب "إسرائيل بيتنا" فياعتباره بصورةٍ رسمية، إمكانيّة نشوء دولتيْن. حيث يردّد السيّد روتيم باستمرار، "نحن نقبل بمبدأ التقسيم الذي يعود إلى العام 1947. لكنّ الفلسطينيّين يريدون دولةًبلا يهود، "judenrein" [4]،والإسرائيلّيين دولةً يهوديّة مئة في المئة – وليس "دولة تتألّف من جميع مواطنيها".يكفي إذاً إجراء اتفاقية دوليّة لإعادة رسم الحدود وفق هذه الذهنيّة".
لمَ كلّ هذا الشراسة ضدّ المليون ونصف فلسطينيالمقيمين في إسرائيل؟ إن كانت الحلول التي اقترحتها الأحزاب العربيّة الثلاثة علىالكنيست تتوافق، غير أنّها تتضمّن بعض الفروقات.
حنين الزعبي في الثلاثين من عمرها؛ وهي المرأة الأولىالمنتمية لحزبٍ عربي التي تحصل على مقعدٍ في الكنيست. وبفضل جاذبيّتها، ساهمت في "إنقاذ" حزب التجمّع الوطني الديمقراطي (بلد) في الانتخابات؛ هذا الحزب الذي اضطرّمؤسّسه عزمي بشارة إلى اختيار المنفى بسبب الملاحقات التي تعرّض لها بتهمة "الخيانة". من المستغرب أنّها تعتبر موقف السيّد ليبرمان نوعاً من "أعطني.. أعطيك": "أنسَحِب من الأراضي المحتلّة، إذاً أضمن وفاءكم". ويجب بالتالي "تذكير فلسطينيّيإسرائيل بأنّهم يعيشون في دولةٍ يهوديّة وعليهم القبول بها كما هي". أمّا السيّدبنيامين نتنياهو فهو "لا يؤيّد قيام دولتيْن، وليس إذاً بحاجة للإصرار على الطابعاليهودي لإسرائيل".
في مكتبه في الناصرة، العاصمة العربية للجليل، يصرّحالمحامي توفيق أبو أحمد عن انتمائه إلى الحركة الإسلامية، وهو متواجدٌ ضمن القائمةالعربية الموحّدة والحركة العربية للتغيير. بالنسبة له، يعلن كلّ من اليمين واليمينالمتطرّف خطاباً مُعادٍ للعرب لكي "يبرهنوا لليهود الإسرائيليّين بأنّهم يحمونمصالحهم"؛ إنهم يخلقون "عدوّاً داخلياً لمحاربته وبالتالي لتعزيز شعبيّتهم". وينهيالمحامي كلامه قائلاً أنّه بدل اشتراط الوفاء لحقّ العرب الإسرائيليّين بالمواطنة، "على المؤسّسة السياسيّة أن تفهم أنّ العكس هو الصحيح: المواطنّة الحقيقية، أيالمساواة في الحقوق، هي الوحيدة التي ستضمن وفاءهم. فبالعدالة وحدها، كما يقول أحدأمثالنا، تندمل الجراح"...
يحتلّ حنّا سويد، الذي شغل طويلاً منصب رئيس بلديةعيلابون في الجليل، المقعد الثاني في الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (حداش،شيوعية)، التي باتت تحوز أربعة مقاعد في الكنيست. بيد أنّه يُبدي قلقاً أكبر، معأنّه لا يهمل البُعد الانتخابي لتصرّفات حزب "إسرائيل بيتنا": "إنّ أداء الخدمةالعسكرية الإجبارية سيؤدّي في الواقع إلى تفاقم جميع أشكال التمييز ضدّ العرب [5]". ويضيف قائلاً أنّ الأهمّ هو أنّ "تلك الطروحات تستفيد من دعمٍ شعبيّ متزايدٍ قد يثير نزاعات بين اليهود والعرب؛الأمر الذي قد يؤدّي الى إعادة النظر في التعايش بين بعضهم البعض؛ وقد سبق وأنتعرّضت حالة التعايش للاختبار مع عمليّات تبادل إطلاق النار التي وقعت في تشرينالأول/أكتوبر 2000 ومع هجمات عكا ضدّ العرب في تشرين الأول/أكتوبر 2008 [6]. إنّ "زمن ليبرمان" يُنذر بصدامات، لاسيّما في المدن المختلطة".
تطبيع العنصرية
من جهته، يعتبر المحامي حسن جبارين، المدير العاملمركز "عدالة" القضائي لحقوق الأقليّة العربية في إسرائيل، الذي استقبلنا في مكتبهفي حيفا، أنّ "كلّ شيءٍ ناتجٌ عن فشل سياسة الفصل التي ابتكرها رئيس الوزراء الأسبقأرييل شارون". فلا الجدار، ولا الانسحاب من غزّة، ولا المغامرات العسكريّة في صيفالعام 2006 وشتاء العام 2009، قد نجحت. ويتابع المحامي: "إنّ استحالة فرض حلٍّأحاديّ الجانب هي بالتحديد التي تدفع المؤسّسة الإسرائيلية إلى التهجّم علىفلسطينيّي إسرائيل". ذلك أنّ "التهديد الديموغرافيّ"، الذي كان يبرّر اهتمامإسرائيل بإنشاء دولةٍ فلسطينية، أصبح يطال الدولة اليهوديّة ذاتها. "لم يعُد أحديؤمن بقيام دولتيْن؛ فالصراع يحتدم مجدّداً على جميع الجبهات، كما في العام 1948:ولم يعُد هنالك من فرقٍ كبير بين حيفا ونابلس والقدس الشرقية. باستثناء أنّ شنّ "الحرب" على فلسطينيّي حيفا يبدو أسهل...".
على هذا، يلتقي هذا المحامي مع... السيّد ليبيرمان.فعندما استقال هذا الأخير، في كانون الثاني/يناير 2008، من الحكومة السابقة حيث كانيشغل منصب وزير "الشؤون الاستراتيجية" (كذا!)، أعلن بلا مواربة أنّ: "مشكلتنا ليستيهودا والسامرة (الضفة الغربية)، إنّما التوجّه الأصوليّ المتطرِّف الموجود فيالكنيست. (...) مشكلتنا، هم (القادة العرب الإسرائيليّون) أحمد طيبي ومحمّد براقع -فهم أكثر خطورةً من (قائد حماس في دمشق) خالد مشعل و(قائد حزب الله) حسن نصر الله..إنّهم يتحرّكون من الداخل ويعملون بصورةٍ منهجيّة على تدمير دولة إسرائيل باعتبارهادولةً يهوديّة [7]".
إذا صحّ القول، فإنّ التجييش ضدّ هذا "الطابور الخامس" - وهذا تعبيرٌ شائع - قد بدأ منذ زمنٍ طويل، في الأذهان وداخل المؤسّسات وعلىالأرض.
بدءاً بتطبيع الخطاب العنصريّ. كذلك الذي صدر عنالنائب السابق في حزب الليكود يحيئيل حزان، في العام 2004، عندما قارن العربالإسرائيليّين بـ"الدود"، الذيت يبذلون جهودهم بطريقةٍ "جوفيّة" لـ"الإساءة إلىالشعب اليهودي منذ مئة عام [8]". عضوٌآخر في حزب الليكود، وأحد المتنافسين على الرقم القياسي في كتاب غينيس لكره العرب،هو السيّد موشي فيغلين، الذي صرّح بدوره أنّه: "يمكنكم أن تعلّموا القرد أن يتكلم،لكنّكم لا تستطيعون أن تعلّموا العربيّ أن يكون ديمقراطياً. أنتم في مواجهة ثقافةلصوص ونهّابين. فمحمّد، نبيّهم، كان لصّاً قاتلاً وكذّاباً [9]". في العام 1985، صدر قانونٌ منع حينها حزب "كاخ"،بقيادة مئير كاهانا، من الدخول إلى الحملة الانتخابية، بسبب تصريحات من هذاالقبيل... أمّا التصعيد الذي شهدته بداية العام 2009 فقد حمل الرئيس شمعون بيريزإلى أن يعلن عشيّة الانتخابات: "أشعر بالقلق كرئيسٍ للدولة، إزاء حملات التحريض علىممارسة العنف ضدّ قسمٍ من الرأي العام. فللعرب، كما سائر مواطني البلاد، حقوقٌوواجبات متساوية".
لكنّ الضرر قد وقع وللأسف: فبحسب الاستقصاءات التيأجريت في العامين 2006 و2007، كان 78 في المئة من اليهود الإسرائيليّين يعارضونوجود أحزابٍ عربيّة في الحكومة، و75 في المئة لا يريدون العيش في المبنى نفسه مععرب، و75 في المئة يعتبرون أنّ لديهم نزعةٌ إلى العنف (54 في المئة من العرب ينظرونإلى اليهود بالطريقة نفسها)، و68 في المئة يتخوّفون من انتفاضةٍ جديدة، و64 فيالمئة يخشون من النموّ الديمغرافيّ العربي، و56 في المئة يعتبرون أنّ "العرب عاجزونعن بلوغ المستوى اليهودي في التطوّر الثقافي". أما بالنسبة لـ"الحلول"، فإن 55 فيالمئة من اليهود الإسرائيليّين يعتقدون أنّه على الحكومة تشجيع هجرة العرب، و50 فيالمئة ينادون بـ"ترحيلهم" (ترانسفير) و42 في المئة يقترحون تجريدهم من حقّهم فيالتصويت [10]...
أهو فيلمٌ من الخيال العلمي؟ إذ أنّ التاريخ يعلّمناأنّ مناخاً مماثلاً يتيح، أو يرجّح، ارتدادأً خطيراً إلى الوراء. برهاناً على ذلكالتصويت، في العام 2003، على قانون يمنع زوجاً فلسطينياً من الضفة الغربية أو غزّةمن الالتحاق بزوجه أو بزوجته في إسرائيل [11]. لا شكّ أنّ الحكومة الجديدة لن تحوّل مشاريع وزير خارجيتها غداًإلى قوانين. لكن ربما بعد غد، من يدري؟
"ليس الأخطر هو ليبرمان، بل النماذج الصغيرة منه التيتتكاثر، الأمر الذي يخلق مناخاً من الرعب قد تتدهور فيه أيّة حادثة إلى الأسوأ".والفرّان أحمد عوده يعرف عمّا يتكلّم: هو يقيم في عكا (ثلاث وخمسون ألف نسمة، منبينهم سبعة عشر ألف عربي)، وهو عضوٌ في مجلس بلديّة هذه المدينة التي لا تزال تحملجروح المواجهات التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. إذ دمّر مئات المشاغبيناليهود أو ألحقوا الأضرار بثلاثين منزلاً وأربعة وعشرين مخزناً ومئة سيارة [12]. وها نحن ذاهبون في جولةٍ فيمدينته، لا يمكن القول بأّنها سياحيّة: هنا، المنازل الخمسة العتيقة التي تعود إلىالمدينة القديمة والتي أُعيد ترميمها ومُنِحَت إلى طلاّبٍ يهود من قبل شركة أميدار،التي "تملك" العقارات العربية التي "هُجِرَت" في العام 1948؛ هنا، المجمّع الجديدقيد التشييد الذي يحمل إسم "قبضة الشمال" والمخصّص، بشكلٍ خاصّ، للمستوطني قطّاعغزّة القدامي؛ وقريباً من المكان، ورشة تعود لأكبر مدرسةٍ دينيّة شمال البلاد؛ وفيالسوق، يتنقّل عشرات الطلاب اليهود برفقة حرّاسٍ يحملون بنادق، دون أن ننسى جامعاللبابيدي الذي لا يزال مفقلاً، مع العلم أنّ الحيّ تقطنه غالبيّةٌ منالمسلمين.
تغيير في الديكور، إنما ليس في المنطق، في اللدّ، حيثدعتنا مهندسة التظيم المدني بثينة ضبيط. الألف فلسطينيّ الذين نجوا من عمليّة النفيالتي تمّت في تموز/يوليو 1948، أصبحوا اليوم أحد عشر ألفاً، من أصل سبعين ألف نسمة.ويشرح لنا الدليل الذي يرافقنا: "من أجل إضفاء الطابع اليهودي على المدينة، يريدرئيس البلدية طرد العرب من جهة، ومن جهةٍ أخرى استقطاب مقيمين يهود جدُد". والطريقالفوضويّة التي تجد سيّارتنا صعوبة في السير عليها، هي أفضل تجسيدٍ لهذه الآليّةالمزدوجة: على يميننا، المباني الجميلة لـ"غانيي أفيف" (حدائق الربيع)؛ ولجهةاليسار ما يشبه مدينة صفيحٍ عربيّة متداعية، من الواضح أنّها مهجورة ومهدّدةبالتدمير، يتصاعد من وسطها هنا وهناك، بعض المنازل الفخمة، يفصلها عن تعاونيّة (موشاف) "نير زفي" جدارٌ تمّ وقف عمليّة بنائه من قبل القضاء. هنا تذكّرنا المهندسةالمعماري: "البارحة، كانوا يستخدمون اليهود الشرقيّين لطردنا، ومن ثمّ جاء دورالروس، والآن المتديّنين. علينا ان نقاتل معاً بدل أن نحارب بعضنا البعض".
"نختار بأنفسنا الحلّ الأفضل"
"عروسة البحر": هكذا كانوايسمّون يافا، التي ألحقت بتل أبيب بعد نكبة العام 1948، والتي تعدّ اليوم بينسكّانها 40 في المئة من الفلسطينيّين. هنا أيضاً، محاولة لإضفاء الطابع اليهوديتستغل... الفقر. في مكتب القائمة المشتركة بين حركتي "حداش" و"بلد"، لخّصت منسّقةبرنامج مساعدة المرأة جوديث إيلاني الأمر كالتالي: "خذوا العائلة ف. مثلاً: إمرأةوحدها وثلاثة أطفال. بانتظار تأمين مسكنٍ اجتماعي لها، لم تكن تعلّق الكثير منالآمال عليه، كانت تستأجر شقةً خاصّة مقابل ألفي شيكل (357 يورو)، أي ثلثي مدخولها.طردها صاحب الشقّة، فاضطرّت للتوقيع على عقد إيجارٍ جديد بقيمة أربعة آلاف شيكل...لم تتمكّن طبعاً من إيفائه لوقتٍ طويل. أُثقِلَت بالديون، فتعرّضت للطرد مرّةًثانية. طبعاً كان بإمكانها الحصول على خفضٍ للضرائب، شرط تعبئة ملفٍّ ضخمٍ باللغةالعبريّة، وهي لغة لا تتكلّمها. وحتّى ذلك لم يكن كافياً كي تهرب من براثن أصحابعضلات المؤسّسة الخاصّة التي كلّفتها البلديّة بالتعامل مع المستأجرين المعانِدين".وأكثر من خمسمئة أمرٍ بالطرد، استندوا على غياب رخصة بناء [13]، ويخّيمون على حيفا كالسيف القاطع. في النقب أيضاً،يدمّرون المنازل، لكن عبر القضاء على قرى بأكملها.
أسّست مديرة جمعيّة "النساء ضدّ العنف"، عايدة توماسليمان - وهي فخورة بذلك- الملجأ العربي الأوّل في العالم للنساء المعنَّفات. وهيمناضلة على الأرض؛ تتابع هنا، أكثر من صناديق الاقتراع، "النزعة إلى نشر الفاشيّة.يعتبر البعض أنّ هذا تعبيرٌ مُبالَغٌ به. لكنّ الوقائع أثبتت، للأسف، أنّني محقّة:التنكّر لحقوقنا؛ والتنكيد الذي غالباً ما يكون عنيفاً؛ محاولات إضفاء الطابعاليهوديّ على مدننا... وقد تخطّى إنكار إنسانيّة فلسطينيّي غزّة الحدود باتجاهنا.ونحن نعرف عن سابق تجربة إلى أين يمكن أن يقود ذلك". طبعاً، تشعر الناصرة بأنّهاقويّة: فإضافة إلى بقاء عاصمة الجليل عربيّة شبع صرفة، ولكن لنقص الشقق، يقصدسكّانها "شقيقتها" ناصرة إيليت التي تمّ تصميمها في الأساس كمدينةٍ يهوديّة موازية،لاستئجار أو حتى لشراء المساكن. مع ذلك، تعتبر المناضلة، أنّه "حتّى هنا، تصدحخطابات ليبرمان كدعوةٍ إلى الهجوم علينا".
رغم ذعره، لا ينوي المجتمع الفلسطيني في إسرائيلالاستسلام. فقد قضت مأساة غزّة والطابع العنصريّ للحملة الانتخابية على المقاطعةالتي تمّ الإعلان عنها: إذ ذهب 52 في المئة من العرب الإسرائيليّين ليقترعوا وقدازداد تصويتهم تجذراً. فقط 12 في المئة من الناخبين العرب اختاروا أحد الأحزابالصهيونية (مقابل أكثر من 30 في المئة منذ ثلاثة أعوام)، في حين فضّل الباقونالحركات الثلاث التي تمثّل قضيّتهم، وخصوصاً حركة "حداش" (الجبهة الديمقراطيةللسلام والمساواة). وقد شهدت أيضاً على هذا التجييش المشاركة الكثيفة في يوم الأرض،في 30 آذار/مارس.
كيف يمكن توسيع هذا الردّ ووضع حدٍّ لما وصفه حسنجبارين بـ"الفصل العنصري الزاحف"؟ مئتا عربيّ ويهوديّ، يمثّلون مختلف الميولوالأجيال، ناقشوا المسألة، في نهار يوم أحدٍ مشمس، خلال المؤتمر ضدّ العنصريّة الذيتمّ تنظيمه في مدينة عكّا. غضبٌ صامت كان يحرّك العديد من المداخلات: وسيدفع عضومجلس البلديّة الإسلامي أدهم جمال، حليف رئيس البلدية، ثمن تنظيره لعجز هذا الأخير.فبعد أن وجّهت إليه الاتهامات من قبل إحدى العائلات المحرومة من مسكن منذ تشرينالأول/أكتوبر، سيغادر المكان تحت ضجيج الاستنكار.
في خضمّ السجال، جاءت مسألة التحالف. هكذا أكّدت لناالنائبة الشابّة في حركة "بلد": "نحن الضحايا، علينا إذاً تحديد القواعد". أمّاالسيّدة ميريام داموني شربيط التي تدرّب أساتذة، يهوداً وعرباً، ضمن أكبر منظّمةغير حكوميّة تربويّة في إسرائيل، فتفكّر بـ"جميع ناخبي الليكود، أولئك الذينبإمكانهم تسخير طاقاتهم، بالنسبة إلى المسائل الاجتماعية، في النضال من أجلالمساواة".
أهو حوار طرشان؟ في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، خلالالانتخابات البلدية في تل أبيب، حطّم النائب الشيوعي دوف خنين كافّة الأرقامالقياسية، بجمعه 35 في المئة من الأصوات (وحوالي 75 في المئة ممّن هم دون الخامسةوالثلاثين). لكنّ لائحته المختلطة، "مدينة للجميع"، لم تكن تتضمّن... فلسطينيّين منيافا.
التحالف إذاً، إنّما لأيّ هدف: دولتان أو دولة ثنائيّةالقوميّة؟ تصرّ السيّدة عايدة توما سليمان مسبقاً على أنّ "بعض حركات التضامن تنسىبأنّها لا تمثّل الشعب الفلسطيني. ويقضي حقّنا بتقرير مصيرنا أيضاً اختيارنا الحلّالذي يبدو الأنسب لنا". ثم تلوّح بجميع الاحصائيّات - "دون استثناء" - التي أُجريتفي الضفّة الغربية وفي غزّة: "إن كان 90 في المئة من الإسرائيليّين اليهود يريدوندولةً خاصّةً بهم، فالأمر سيّان بالنسبة لثلثي الفلسطينيّين في الأراضي المحتلّة".والسبب أنّه: "في دولةٍ ثنائيّة القوميّة، ماذا سيكون مصير المستوطنات؟ وأبعد منذلك، من سيضمن حقوقنا؟". فبالنسبة لهذه المناضلة، لا يجب أن ننسى موازين القوى: "وحده المجتمع الدولي قادرٌ على فرض حلٍّ على إسرائيل: هذا ما يجب العمل عليه. هناوعندكم!".
-------------
[2] "إسرائيلبيتنا" هو، بنسبة كبيرة، حزب المهاجرين الروس.
[3] حتى السيّدةتسيبي ليفني كانت قد أعلنت، قبل أن تتراجع في اليوم التالي، أنّه بعد إنشاء دولةٍفلسطينية، "سنتمكّن من أن نتوجّه إلى المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، أولئكالين نسمّيهم عرب إسرائيل، ونقول لهم: "الحلّ لطموحاتكم الوطنية موجودٌ في مكانآخر"، وكالة الصحافة الفرنسية، 11 كانون الأول/ديسمبر 2008.
[4] صفة استخدمهاالنازيّون، خلال محرقة اليهود، لوصف الأراضي التي أُبيد فيها كلّ اليهود.
[5] بحسب الصحفالصادرة في 30 آذار/مارس 2009، طُرد أربعون عاملاً عربياً كانوا مكلّفين بحراسةنقاط تحويل للسكك الحديديّة، لأنهم لم يؤدّوا خدمتهم العسكرية.
[6]Lire "Juifs et Arabes, une cohabitation saccagée", 17 octobre 2008, sur le blog "Lettres de… " du Monde diplomatique.
[9] مجلة "نيويوركر" الأميركية، 31 ايار/مايو 2004.
[11] إقرأ:ميرون رابابورت: "اسرائيل وحقوق المواطنين المهدّدة"، لوموند ديبلوماتيك النشرةالعربية، شباط/فبراير 2004،http://www.mondiploar.com/article17.... إزاء نقضهم لهذا التشريع أمام المحكمة العليا، كونه يتعدّى على القوانين الأساسيةالتي تقوم مقام الدستور، تلقّى يهود وعرب الردّ التالي من قبل قضاة وزارة العدل: "دولة إسرائيل في حالة حربٍ مع الشعب الفلسطيني، شعبٌ ضدّ شعب، مجموعةٌ ضدّ مجموعة" (www.zope.gush-shalom.org).
[12] راجع: "مركز المساواة، عكا مدينة على الجبهة"، حيفا 2008.
[13] ...رفضتهذه الرخص من قبل السلطات! إنّه الأسلوب نفسه المعتمد في القدس الشرقية: الاطّلاععلى: فيليب ريكاسيفيش: "كيف تصادر إسرائيل القدس الشرقية، لوموند ديبلوماتيك النشرةالعربية، شباط/فبراير 2007،http://www.mondiploar.com/article81...
بعض التواريخ
1947-1949: خلال الحرب، اضطر ما بين 700 و800 ألف فلسطينيّ إلىمغادرة منازلهم. فقط 160 ألفاً بقوا في إسرائيل.
21 تشرين الأول/أكتوبر 1948: فرضتعليهم السلطات الحكم العسكري الذي يعمل وفق قوانين الطوارئ البريطانيّة (التي لاتزال نافذة حتى اليوم).
1948-2008: مصادرة كثيفة للأراضي الفلسطينيّة وإفقار قسريّلغالبيّة العرب الإسرائيليّين.
نهاية العام 1966: إلغاء الحكم العسكري، ترافق معوضع "لائحة سوداء" بأسماء المناضلين المجبَرين على ملازمة منازلهم أو بالحدّ منتحرّكاتهم.
حزيران/يونيو 1967: احتلال غزّة والضفّة الغربية والجولان، ممّا سمحلفلسطينيّي إسرائيل باستعادة العلاقة مع أقربائهم المنفيّين.
30 آذار/مارس 1976:قمع تظاهرات ضدّ مصادرة الأراضي أوقع ستة قتلى وعشرات الجرحى. ومن حينها فصاعداً،سيصبح هذا التاريخ هو "يوم الأرض".
تشرين الأول/أكتوبر 1987: اندلاع الانتفاضة (الأولى) في الضفّة الغربية وغزّة، التي ستستمرّ حتى العام 1990، وستواجهها اسرائيلبقمع عنيف أوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى.
تشرين الأول/أكتوبر 2000: تظاهرات تضامنمع الانتفاضة الثانية. تدابير السلطة الانتقاميّة توقع 13 قتيلاً.
بعض الأرقام
الأجر الوسطيّ للعمّال العرب لم يبلغ في العام 2007 سوى 67 في المئة منالأجر الوسطيّ اليهود الشرقيّين، و52 في المئة من أجر اليهود الغربيّين.
الدخل الوسطي للعرب الإسرائيليّينللفرد الواحد يصِل إلى 7700 دولار، في حين يصل وسطي دخل مجمل الإسرائيليّين إلى 19000.
في العام 2007،كانت 51.4 في المئة من العائلات العربيّة تعيش تحت عتبة الفقر، مقابل 19.9 في المئةمن مجمل العائلات الإسرائيليّة.
فقط 5.86 في المئة من مجمل موظفي الحكومة هم عرب.
18 في المئة فقط من نساء إسرائيلالفلسطينيّات يُمارسنَ العمل، مقابل 56 في المئة من النساء اليهوديّات (و59 فيالمئة من الرجال العرب).
منذ إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948، لم يتمّ إنشاء أيّة بلدة عربيّة،في حين أبصرت أكثر من 600 بلدة يهوديّة النور.
لا يملك فلسطينيّو إسرائيل سوى 3.5 في المئة من أرضبلدهم.
حصلت البلداتالعربيّة على أقلّ من 5 في المئة من أموال الميزانية الإنمائيّة، و3 في المئة منأموال ميزانية الحكومة العادية، في حين يشكّل فلسطينيّو إسرائيل 20 في المئة منالسكّان.
يوسف الغازي
ــــــــــــــ
المصادر: تقارير عدّةصادرة عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة من أجل اللاجئينالفلسطينيّين في الشرق الأوسط (UNRWA)؛ مركز "مساواة"، وضع الحقوق الإنسانيّةللأقلّية الفلسطينيّة العربيّة، المواطنون الإسرائيليّون، حيفا، تشرين الأول/أكتوبر 2008؛ مركز أدفا، إسرائيل: التقرير الاجتماعي 1998-2007، تل أبيب، 2008. تعودالإحصائيّات إلى العام 2006، إلاّ في حال ذكر عكس ذلك.
|