من أجل قبلة ...
قصة بقلم : نبيل عودة, الناصرة
بعد يومين يبلغ الثمانين عاما .. وهذه مناسبة تسعده ..فزوجته وعدته بكعكة عيد ميلاد يحبها .. وستزوره في الملجأ مع أولاده وأحفاده .. سيكون ملك الاحتفال ويشارك أصحابه وصاحباته من الملجأ في العيد .. سيكون أول من يقسم الكعكة بالسكين ثم تكمل زوجته تقسيمها وتوزيع الكعك على جميع الحاضرين .. وستحضر معها مشروبات وربما شوكالاطة .. وبالتأكيد سيشعلون له شمعة في وسط الكعكة .. وعندما يغنون له عيد ميلاد سعيد سينفخ عليها " هوف " ... ويطفئها حين يصفقون له لأنه شاطر.
اليوم قالت له المشرفة على الملجأ انه بقي يومان للعيد .. الله ما طول الانتظار وما أصعبه .. كان يسأل المشرفة والعاملات إذا اقترب اليومان .. ودائما يقولان له بعد يومين ، وإحدى العاملات قالت انه سألها عشرين مرة اليوم .
لماذا تجمد اليومان بلا حركة .. ومتى تحل اللحظة السعيدة ؟ يشعر أن السعادة لن تسعه وهو يقضم من كعكته الشهية .
منذ استقر قبل سنوات في هذا الملجأ ، شدت أنظاره زميلة معه متقدمة مثله في السن ، ولكنها من عنصر النساء القوي ، وكان معجبا برشاقتها في المشي السريع وشخصيتها المسيطرة على جميع الأصحاب والصاحبات في الملجأ .. وكثيرا ما جلست تستمع إليه وتبتسم مسرورة بالتأكيد من حديثة وقصصه، رغم انه لا يذكر ماذا قص لها ، ويخاف أن يكون قد صارحها بحبه لها فتزعل زوجته ولا تحضر مع الكعكة ويتوقف عمرة إلى ما قبل الثمانين بيومين.
ومع ذلك تلك المرأة كانت تعجبه .. وكان يتمنى لو يحصل على قبلة منها . . أو ربما أكثر من قبلة ، فالرغبة باقية رغم إن الأداة تعطلت . والحق إنها دائما تمسح بيدها على ما تبقى من شعرات رأسه .. وتساعده على الإستلقاء فوق سريره .. بل وتساعده على اختيار وجبة الأكل .. وأقصى أمانية أن يحظى منها بقبلة.
وبالطبع كانت على رأس مدعوية ليوم عيد ميلاده الثمانين بعد يومين وقد طال اليومان بدون سبب مفهوم .
عندما رأها قادمة نحوه وقف على ساقيه واقترب منها .. وهو يأمل بكل عام وأنت بخير وقبلة .. قال لها:
- سيدتي ، هل تعرفين بأن عيد ميلادي سيكون بعد يومين ؟
- شيء جميل حقا .. يجب أن نحتفل كلنا بهذه المناسبة ونهنأك ونتمنى لك العمر المديد .
- لهذا جئت أدعوك إلى عيدي بعد يومين .. هل ستحضرين .. ؟
- بالطبع .. بالطبع سأحضر وأجلب لك هدية بالمناسبة .. انه يوم سعيد .. وأنت بالتأكيد تنتظر هذا اليوم لتأكل من كعكتك المفضلة التي ستحضرها زوجتك .. وكلنا سنأكل ونغني لك .
- هل تعرفين كم سيصير عمري؟
- أنا مستعدة أن أراهن بأني أستطيع أن أعرف كم سيصبح عمرك بالضبط ؟
- حقا كيف .. أنا لم أقل لك ؟
ضحكت السيدة التي يتمنى قبلة منها ، فشعر بفرح وراحة لأنه أسعدها بحديثة .. عاد يكرر :
- وكيف ستعرفين عمري إذا لم أقل لك ؟
- لدي القدرة على كشف المخفي .. تريد أن تراهن إني قادرة على معرفة عمرك ؟
- على ماذا نراهن ؟
- نراهن على قبلة ، إذا لم أعرف أنت تقبلني وإذا عرفت أنا أقبلك ؟
تهدج صوته :
- ممتاز .. حقا ممتاز .. أنا أوافق على الرهان .
شعر بانبساط وانه سيد الموقف . إذا لم تعرف يحصل على قبلة واذا عرفت تحصل هي على قبلة .. وهو لا يعرف ما الفرق ، ولكن بكلتا الحالتين لن يخسر .
- إذن كم عمري ؟
- إه .. وصلنا للسؤال الصعب .. انزل بنطلونك .. وسأعرف كم عمرك سيكون بعد يومين ؟
وبدون تردد فك حزام البنطلون وأنزله .
نظرت إليه ، ودارت حوله وهي تتأمله ، ثم قالت له :
- عرفت .. سيكون عمرك ثمانين عاما بعد يومين .
تفاجأ من معرفتها :
- وكيف عرفت ؟
- أنت بنفسك قلت لي قبل أسبوع عندما دعوتني أول مرة لعيد ميلادك . . وقلت انك تتمنى قبلة مني ... الآن ارفع بنطلونك لتقبلني . ومدت له خدها .
-----------
* نبيل عودة – كاتب ناقد وإعلامي فلسطيني: nabiloudeh@gmail.com
|