بسم الله الرحمن الرحيم
العرب رفضوا مذكرة إعتقال البشير
ولكنهم اليوم يتباكون على تقرير غولدستون حول غزة !
بقلم عبد الغني بريش اللايمى*, الولايات المتحدة الأمريكية
من هو غولدستون ؟
هو ريتشارد غولدستون - الجنوب أفريقي والمدعي العام السابق بمحاكم جرائم الحرب في رواندا ويوغسلافيا السابقة ، وتم تكليفه دولياً لتقصي الحقائق في الحرب الأخيرة على قطاع " طالبان " غزة على يد الجيش الإسرائيلي.
واعتبر النونو أن "نجاح جهود تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة يتطلب وقف الغرور والعدوان الإسرائيلي الدائم على شعبنا الفلسطيني ومنع اعتداءاته الحالية والمستقبلية واتخاذ إجراءات عقابية ضد أي خروقات وجرائم ترتكب بحق الإنسانية وبحق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال ". لكن الغريب في الأمر هو ان الناطق باسم حماس نسى أن يقول للعالم بأن الحرب الإسرائيلية الأخيرة كانت نتيجة للصواريخ الأطفالية العبثية التي تطلقها جماعة طالبان غزة على المدن الإسرائيلية القريبة من القطاع ، كما نسى النونو عندما تحدث عن جرائم إسرائيل أن يذكّر الناس بالمذابح والاعتقالات العشوائية التي تعرض لها أبناء حركة فتح في قطاع غزة على يد "ننجا" حماس.
تعرضت الحكومة الإسرائيلية للهجوم لرفضها تقرير غولدستون ليس فقط من حركة حماس ، بل تسابق كل الكُتاب والصحفيين العرب في فضائياتهم الشتائمية االغوغائية ، وإذاعاتهم البدوية الظلامية ، وشنوا حملات إعلامية شعواء على حركة فتح ورئيسها محمود عباس ورئيس وزراءه السيد فياض سلاّم ، وطالبوا محمود عباس بتقديم استقالته من السلطة الفلسطينية ( لإتهامهم له بتأجيل مناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان بجنيف ) ، رغم علمهم علم اليقين بأن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ( لا حول ولا قوة لها ) ، وحتى لو افترضنا جدلاً بان السلطة الفلسطينية هي التي طلبت تأجيل التصويت على تقرير غولدستون ، فلا بدّ أنها تعرضت للضغوطات الغربية ، خاصة الأمريكية للقيام بهذه الخظوة ، كما ان معسكر دول الإعتدال العربية كا ( السعودية - مصر – الاردن, الخ ) لا بدّ إنها ضالعة في قرار السحب أو التأجيل من وراء الحجاب !! ، فلماذا هذا الهجوم غير المبرر على السلطة الفلسطينية؟
الأنكى من كل هذا وذاك ، هو أن هؤلاء العِربان الذين تدافعوا اليوم للدفاع عن تقرير غولدستون ، هم نفس الناس الذين شدوا الرحال من كل فجاج عميق ، ومن كل الصحاري والوديان والفرقان والهكوف العربية لمناصرة الرئيس عمر البشير الذي اتهمته الجنائية الدولية في وقت سابق من العام 2009 بإرتكابه نفس الجرائم التي ارتكبته إسرائيل حسب تقرير غولدستون - وهي // جرائم حرب // وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غرب السودان ! كانوا جميعهم يساندون قاتل أكثر من 200 ألف دارفوري. أقاموا الخيام االبدوية في العاصمة السودانية الخرطوم لدعمه ، تغنوا بالأشعار العنترية ، شربوا من أجود خمور الشام والعراق " لزوم المساندة والضرورات تبيح المحظورات ". قالوا أن مذكرة الإعتقال الصادرة بحق البشير سابقة خطيرة قد تفتح الباب على مصراعيه لإعتقال رؤساء عرب آخرين ، وان هناك مؤامرة دولية تقودها المنظمات الدولية نيابةً عن اليهود والغرب المسيحي ضد العرب ، وهنا نتساءل ما الجديد في المحافل المنظماتية الدولية حتى يتباكى العرب اليوم على تقرير من تقاريرها ؟
الجدير بالذكر ، أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد اشترطت قبل أيام فقط من سحب التقرير موافقتها عليه مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية جديدة بالعمل وإعطائها الترددات اللازمة ، وكان هذا دليلا على أن إسرائيل لديها النية في التعامل مع التقرير بإيجابية ، لولا الحملات المغرضة التي قادتها الإعلام والصحف العربية الصفراء منها والحمراء والسوداء ضد إسرائيل, بينما سكتت هذه الصحف على موقف حركة حماس الذي اعتبر تقرير غولدستون "مساواة بين الجلاّد والضحية " . أليس كان مفيداً للسادة " الكُتاب العرب " مطالبة حركة حماس بقبول التقرير بكل تفاصيله إذا كانوا يرون في هذا التقرير نجاة للقضية الفلسطينية ؟
لم يتوقف موضوع تأجيل تقرير غولدستون عند الصحافة العربية فقط ، بل وصل الأمر إلى ما تسمى بالمجموعة العربية بالأمم المتحدة ، وعقدت الأخيرة اجتماعا تنسيقيا على مستوى السفراء في المقر الدائم بنيويورك في السابع من أكتوبر 2009 بطلب من السفير الليبي لدى الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم لمناقشة تقرير غولدستون ، وبعد الاجتماع تحدث السفير عبدالرحمن شلقم للصحفيين قائلا :
" هناك إجماع عربي على أهمية تقرير لجنة غولدستون وأهمية طرح التقرير على مجلس الأمن الدولي ذلك أن التقرير في النهاية يجب أن يعرض على المجلس خاصة وأن إشارة الانتظار الصفراء في جنيف قد طالت (التصويت في مجلس حقوق الإنسان) وأيضا نحتاج للتوجه للمجلس مباشرة لأن هذا الموضوع يمس السلم والأمن في المنطقة.
عبد الرحمن شلقم: نريد أولا أن يناقش مجلس الأمن التقرير الذي يحتوي على نقاط عاملة تم اقتراحها ومجلس الأمن مسؤول عن السلم والأمن في العالم، وهذا التقرير يشير إلى أن عدم اتخاذ إجراءات في ما حدث أثناء العدوان على غزة لا يخدم قضية السلام، هذه مسؤولية مجلس الأمن، وفي المجلس هناك خمسة عشر عضوا ولكل منهم رأيه وتقديره لكيفية توظيف هذا التقرير لخدمة العدالة والسلام وأيضا عدم الإفلات من العقاب، وفي رسالتنا للمجلس طلبنا مناقشة التقرير ومن ثم المخرجات تأتي من تفكير جماعي من المجلس."
السفير عبد الرحمن شلقم: نأمل أن يكون هناك إجماع على عقد جلسة مفتوحة ونأمل أن يكون هناك إجماع على التنسيق والمتابعة وأنا واثق أنه سواء الولايات المتحدة أو بقية أعضاء المجلس الدائمين لا يقلون حرصا على تحقيق السلم والعدالة ، تحدثنا مع عدد من الأعضاء طبعا قد يدفع البعض بنواحي إجرائية وهذا متوقع في العمل السياسي الذي هو عملية مستمرة.
سمير إمطير: هل تعتقدون بأن الموقف الذي اتخذ في جنيف (تأجيل التصويت على مشروع قرار حول توصيات اللجنة إلى شهر آذار/مارس القادم) سيؤثر على جهودكم لإثارة الموضوع هنا في نيويورك؟
عبد الرحمن شلقم: لا بالعكس ما حدث في جنيف حدث ولا نريد العودة إلى هذا الموضوع الآن، ولكن هناك بدائل كثيرة يجب طرحها ويجب أن نحاول، نحن لا نضمن النجاح ولكن علينا العمل وبذل الجهود.
اللقاء أعلاه أيها السادة والسيدات للسفير الليبي في الأمم المتحدة السيد عبدالرحمن شلقم ، والدولة الليبية لم توقع على ميثاق روما لإنشاء محكمة الجنائية الدولية الخاصة بمثل الجرائم التي وقعت في قطاع غزة حسب تقرير غولدستون ، كما أن الرئيس الليبي معمر القدافي أول من انتقد قرار الجنائية الدولية الذي طالب بإعتقال الديكتاتور السوداني عمر البشير ، وقال وقته أن الغرض من إنشاء هذه المحكمة هو إعادة الاستعمار لأفريقيا وهي - أي الجنائية الدولية (محكمة الرجل الأبيض لمحاكمة الرجل الأسود ) ، كما أن القدافي من الرؤساء القلائل الذين قدموا دعوة لعمر البشير لزيارة عواصم بلدانهم في خطوة اعتبرها بعض المراقبين السياسيين دعماً معنوياً له ، فلماذا تهتم ليبيا بتقرير غولدستون الذي إذا صوت عليه مجلس الأمن بالإيجاب سيؤدي إلى نفس نتائج المدعي العام الدولي السيد لويس مورينو اوكامبو في اقليم دارفور التي رفضتها ليبيا جملةً وتفصيلاً ؟ أليس هذه هي المعايير المزدوجة ذاتها التي يتهم بها العرب الغرب وإسرائيل ؟
الغرض من إنشاء محكمة الجنائية الدولية هو للنظر في الجرائم البشعة التي ترتكبها مختلف الأنظمة السياسية حول العالم في حروباتها الدولية غالباًً ، وضد مواطنيها أحياناً ، ولأنها جرائم فظيعة يندي لها جبين البشرية جمعاء ، لا بد لجميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة التوقيع على ميثاق روما ، ثم التصديق عليه ، حتى لا تفلت الطغاة والجناة من العقاب, والدول العربية مطالبة أكثر من غيرها من الدول الإنضمام إلى " ميثاق روما " ذلك - لأن أخطر وأبشع وأفظع الجرائم ضد البشرية ترتكب في منطقة الشرق الاوسط بمبررات معظمها وهمية, وفي جمهورية مصر العربية مثلا ارتكب النظام المصري جرائم قذرة بإسم الأمن القومي ضد ( الخّوان المسلمين ) وكافة الجماعات السياسية المعارضة ، كما ارتكب النظام ذاته جرائم أخرى ضد الأقليات العرقية والدينية في مختلف أنحاء الجمهورية, وفي سوريا العروبة ارتكبت العائلة العلوية الحاكمة جرائمها تدخل ضمن ( جرائم ضد الإنسانية ) بحق الأقلية الكُردية والمعارضين لحزب البعث العربي الإشتراكي الحاكم للأبد, أما في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى فالسلطات هناك تستهدف الجماعات المعارضة لحكم القدافي ، خاصة الجماعات الأصولية الإسلامية بالصواريخ وكافة أنواع الأسلحة المحظور استخدامها دوليا ، كما طاردت السلطات ذاتها الأقليات العرقية في البلاد من - البرابرة (الأمازيغ) في بلدية الزاوية والنقاط الخمس وغدامس ، حتى أفقدتها حقوقها الطبيعية والمكتسبة على حدٍ سواء ، وفعلت الشيئ نفسه للأقليات العرقية في - سبها وغات ومناطق أخرى في جنوب ليبيا, أما جرائم البعثين في العراق ضد الطائفة الشيعية والأكراد لنصف قرن من الزمان ، فلا تُعد وتُحصى, والعالم اليوم يشاهد بأُم عينيه الحرب الجنونية التي يقودها جيش ديكتاتور اليمن علي عبدالله صالح ضد الحوثيين في جنوب اليمن ، وبما ان الجرائم التي ارتكبها جيش النظام اليمني تدخل ضمن ( جرائم حرب / وجرائم ضد الإنسانية ) إلآ أن الأنظمة العربية كالعادة ألقت بكل ثقلها لمساندة ديكتاتور اليمن ، وأصدرت خارجيات هذه الأنظمة بيانات رسمية منذ بداية الصراع تؤيد فيها الحملة العسكرية اليمنية على الحوثيين ، وتتهم فيها جهات شيعية بالوقوف وراء الحوثيين.
أما حكومة ( قوم سُود ) بثقافة بيضاء في السودان ، فقد أقدمت على ارتكاب أكبر المجازر البشرية بشاعةً في العصر الحديث ، وذلك عندما حركت جيشها ومليشياتها ، مجاهديها ومتطرفيها ومتعصبيها ، لمهاجمة المدن والقرى والوديان الدارفورية لتطهير وقتل القبائل لفرض مشروعها الإسلاماوي الظلامي ووهّم ( عُروبة السودان ) ، ونتيجة للهجمات الحكومية الانتقامية المتكررة منذ عام 2003 على الأبرياء العزل في دارفور ، بلغ عدد القتلى والموتى في دارفور حتى كتابة هذا المقال حسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة بأكثر من 400 ألف // اربعمائة الف, ورغم هذه الفظائع والجرائم التي ترتكب ضد الأقليات العرقية والدينية والسياسية في المنطقة العربية ، إلآ أن الحُكام العرب لا يرون في قتل الناس هكذا عشوائيا شيئا يستحق النظر.
العرب قسماً عظماً واهمون وأغبياء وسُذج ، إذا اعتقدوا ان تقرير غولدستون سينقذ الفلسطينيين من المأساة التي يعيشونها منذ الإنقلاب الإسرائيلي على حكومتهم في عام 1948 ، وحتى لو افترضنا أن ما تسمى بالمجموعة العربية بالأمم المتحدة تمكنت من إقناع مجلس الأمن الدولي ( اليوم أو غدا أو بعد غد ) لمناقشة تقرير غولدستون حول حرب غزة ، فالنتيجة المتوقعة هي ان لا يصوت مجلس الأمن لصالح التقرير ، وذلك للأسباب التالية :
* موقف الولايات المتحدة السلبي من التقرير " الفيتو الأمريكي ",
* هناك العديد من القرارات الدولية بشأن فلسطين ، لكنها ذهبت أدراج الرياح,
* ضعف الدبلوماسية العربية - أو قل ( عدم معرفة العرب بالدبلوماسية ),
* نظرة العرب العدائية للمنظمات والوكالات الدولية - ( الجنائية الدولية ) مثالا,
* تشرذم المجموعة العربية في الأمم المتحدة وعدم اتفاقها على موقف موحد حيال أي قضية من قضاياها ، فتقرير غولدستون نفسه رفضته دول الاعتدال العربية " سراً " بحجة انه سيعرقل جهود عملية السلام في الشرق الأوسط في حالة اعتماده من قبل مجلس حقوق الإنسان بجنيف,
* أسباب أخرى:
العرب واهمون وأغبياء ، لأنهم ينتظرون أن تمطر السماء ذهبا ، وهم القائلون عكس ذلك ، أنهم يرفضون الانضمام إلى المنظمات الدولية الضالعة ولو جزئيا في صنع القرارات المؤثرة على مسرح الأحداث السياسية العالمية ، لكنهم يتوقعون من ذات المنظمات أنصافها لهم في قضاياهم الشائكة والمعقدة ! فلتنظروا مثلا إلى ما قالته حماس عن تقرير غولدستون الإثنين 12 اكتوبر 2009 وهو التقرير الذي رفضته إبتداءاً - قالت (( أن تقرير غولدستون منح الدول العربية عموما والفلسطينيين خصوصا فرصة لإدانة إسرائيل ومحاسبتها على المستوى الدولي خاصة )) ، ما هذا التناقض ؟
ضاعت كل القضايا العربية أمام منظمة الأمم المتحدة ( بكل هيئاتها ومجالسها ووكالاتها ) وأمام منظمات دولية أخرى، نسبة لتشكيك العرب دائما في نواياها وتحركاتها ، وأي قرار من هذه المنظمات تجاههم يعتبرونه مؤامرة عليهم ، فكيف لهم أن ينتظروا منها مساواتهم بالأمم التي تتعامل مع هذه المنظمات بالشفافية ودون تحفظات ؟
إذا كان العرب يريدون تمريرا لتقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان بجنيف ، ومن ثم وصول التقرير إلى مجلس الأمن الدولي للمناقشته والتصويت عليه لملاحقة قادة الحرب في إسرائيل ، فإنهم مطالبون اليوم قبل غد ، الإنضمام إلى ( الجنائية الدولية ) وتأييد مذكرتها الصادرة في وقت سابق من مارس 2009 ضد الرئيس السوداني عمر البشير لإرتكابه جرام حرب // وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غرب السودان ، وإلآ فإنهم سيفقدون كل قضاياهم القادمة أمام المنظمات الدولية حتى يحدث شيئا كان مكتوبا.
-------------
* عبد الغني بريش اللايمي, كاتب سوداني؛
المصدر: الحوار المتمدن – www.ahewar.org - العدد: 2800 – 15.10.2009
|